في الوقت الذي تفيض فيه وسائل الإعلام المحلية والدولية بسيل يومي عن فيروس كورونا، تظل هناك حقيقة خفية تُطل برأسها بين الحين والآخر، وهي أن العلماء والأطباء لا يعلمون جميع الحقائق والصفات المتعلقة والمرتبطة بهذا الفيروس الجديد على علم الجميع. ومن هذه الحقائق، أنه لا زال غير معروف بشكل قاطع ومحدد، كيفية انتقال الفيروس من شخص لآخر. وإن كان يمكن الافتراض هنا أنه يتماثل مع فيروسات الأمراض التنفسية الأخرى في وسيلة الانتقال؛ تحديداً من الرذاذ المصاحب لعطس أو سعال شخص مريض، أو من الأسطح الصلبة الملوثة بهذا الرذاذ، وإن كان لا يعتقد أن فيروس كورونا يظل معلَّقاً وسابحاً في الهواء لفترة طويلة، كما هو الحال مع فيروس الإنفلونزا مثلا. وهو ما يعني أنه لحدوث العدوى، يجب أن يكون هناك «اتصال قريب» بين المصاب ومَن ينقل إليهم العدوى. ووفق نظام الرعاية الصحية الوطني في بريطانيا (NHS)، يُعرّف الاتصال القريب باعتباره أحد الحالات التالية: 1- العيش مع الشخص المصاب في نفس المنزل. 2- ملامسة السوائل الحيوية للمريض. 3- التقارب وجهاً لوجه، كما هو الحال مع المحادثة المباشرة التي تستغرق أكثر من بضعة دقائق. 4- التواجد على مسافة مترين أو أقل من المصاب، ولمدة أطول من 15 دقيقة. وهذا الوضع الأخير، أي التواجد لـ15 دقيقة على مسافة تقل عن المترين من المصاب، أثار المخاوف لدى الكثيرين تجاه استخدام وسائل المواصلات العامة. والحقيقة أن حجم هذا الخطر، يتوقف على مدى الازدحام داخل وسيلة المواصلات المستخدمة، وعلى مسار الرحلة، ونوع الوسيلة المستخدمة. فمثلاً يزداد خطر العدوى في وسائل المواصلات شديدة الازدحام، والتي يصطف فيها الركاب بجوار بعضهم البعض، أو في الرحلات التي تبدأ أو تمر بمناطق تشكل بؤراً لانتشار الفيروس (حالياً)، مثل الصين وإيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية.
وفيما يخص وسيلة المواصلات، وعلى خلفية تحذير بعض الحكومات من السفر بغية منع انتقال الفيروس إلى مناطق وبلدان خالية منه أصلا، تتباين احتمالات الخطر حسب نوع وسيلة المواصلات المستخدمة؛ حيث يشكل السفر بالطائرات مثلاً، أقل درجات الخطر، رغم وجود عدد كبير من المسافرين في مساحة صغيرة. والسبب أن نظام التهوية والتكييف بالطائرات الحديثة، يقوم بتغيير الهواء داخل جسم الطائرة، وبشكل كامل، في غضون دقيقتين أو ثلاث، مقارنة بـ10 إلى 12 دقيقة في المباني ذات التكييف المركزي. كما أن نظام التكييف في الطائرات الحديثة يستخدم نوعاً خاصاً من المرشحات (الفلاتر)، يعرف بالهبا (Hepa)، يمكنه اصطياد الجزيئات الصغيرة، بما فيها الفيروسات، بكفاءة أعلى بكثير من فلاتر المكيفات العادية، والتي لا يمكنها احتجاز جزيئات أصغر من 5,000 نانوميتر، بينما كان حجم جزيئات فيروس السارس مثلا، 120 نانوميتر فقط.
ومؤخراً احتلت سفن الرحلات البحرية الضخمة (الكروز) الصدارة كوسيلة لنشر الفيروس، بعد وضع ركاب سفينتين تحت الحجر الصحي؛ الأولى في اليابان شهر فبراير الماضي، والثانية قبالة سواحل كاليفورنيا.. وذلك بسبب اعتماد هذه النوعية من السفن على نظم التكييف العادية، وتواجد عدد كبير من الناس في مساحة محدودة، ولفترة طويلة. هذه المشكلة تمكن مواجهتها بالاعتماد بشكل أكبر على الهواء الخارجي للتهوية، بدلاً من إعادة تدوير الهواء الداخلي لخفض استهلاك الطاقة. أما وسائل المواصلات الأخرى، مثل الحافلات والقطارات، فتتوقف احتمالات انتقال العدوى بشكل كبير على مدى الازدحام داخلها، وعلى درجة التهوية بالاعتماد على الهواء الخارجي، وأيضاً على طول زمن الرحلة ومسارها.