تعود نظرية المؤامرة بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا، ولها ما يسندها في ذاكرة المهتمين بالوقائع التاريخية المشابهة لتفشي الفيروس المستجد، فهناك من يبني انحيازه لنظرية المؤامرة على أرشيف السينما الذي لا يخلو من أفلام تضمنت قصصها سيناريوهات شبه متطابقة مع ما يشهده العالم اليوم. إلى جانب استدعاء سوابق بشرية في نشر الأوبئة عن عمد، ضمن حروب الأسلحة الجرثومية، وفي هذا المنحى يتم التذكير بعمليات الإبادة التي يقال إن الهنود الحمر تعرضوا لها بواسطة نشر الطاعون في تجمعاتهم السكانية.
أحد الأفلام التي تربك ذاكرة المشاهد وتحرضه على تصديق وجود مؤامرة لنشر الوباء، هو الفيلم الأميركي الذي يحمل اسم عدوى Contagion (إنتاج عام 2011)، بل تبدو قصة الفيلم أكثر تطابقاً مع الواقع، وخاصة أنه يحكي عن انتشار فيروس يبدأ ظهوره في الصين ثم يغزو العالم!
بينما يتحدث آخرون في إطار الاعتقاد بنظرية المؤامرة عن حتمية انتشار وباء كل 100 عام، ويقولون إن انتشار الأوبئة الخطيرة ارتبط خلال القرون الماضية بالسنة العشرين من كل قرن.
وسواء تأملنا تاريخ الحروب أو قصص أفلام السينما، فإن علاقة البشر بالأسلحة الجرثومية تشعل مخيلة الكتاب والباحثين المشغولين برسم سيناريوهات للمستقبل. وعلى ضوء ما أحدثه تفشي كورونا من تداعيات واستدعاء لنظرية المؤامرة، يرى البعض أن هناك مؤامرة بالفعل، بالنظر إلى كيفية انتشار الفيروس، على خلفية حروب اقتصادية ومنافسات حادة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وبعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيف تفشي فيروس كورونا كوباء عالمي، لم يعد أمام كافة الدول سوى اتخاذ المزيد من التدابير الوقائية للتعامل مع هذا التحدي، من خلال تفعيل روح التعاون والتنسيق والشعور بالمصير الإنساني المشترك، وتبادل الخبرات للتقليل من عوامل انتشار الفيروس، إلى أن تتمكن شركات تصنيع الأدوية من إيجاد اللقاح المناسب له.
وبشأن استدعاء نظرية المؤامرة، اتهم مجلس الأمن القومي الأميركي الصين بالمسؤولية عن تأخر الرد العالمي على كورونا، وبدوره اتهم المتحدث باسم الحكومة الصينية الجيش الأميركي بجلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية، وشكك بظهور المرض في الولايات المتحدة، متسائلاً عن عدد المصابين وأسماء المستشفيات التي تأويهم، مطالباً أميركا في المقابل بالشفافية.
وفي حالة إنكار وتهرب من مواجهة المرض، دخلت إيران على الخط المنحاز لتبني نظرية المؤامرة، حيث ادعت أن الإعلام الأجنبي حاول إحباط الإيرانيين وثنيهم عن المشاركة في الانتخابات بنشر مبالغات حول الفيروس، رغم أن حجم انتشاره كبير جداً في إيران وأصبح من ضمن المصابين وزراء ونواب وأصحاب مناصب عليا.
وعلى ضوء حجم الخطر الذي لا يفرق بين ألوان وجنسيات البشر، لم تعد هناك جدوى من تبادل الاتهامات التي كشفت أن تداعيات كورونا تجاوزت الجانب الصحي إلى أبعاد اقتصادية وسياسية أيضاً. ويكفي أن وثائق التاريخ سوف تسجل في المستقبل أن فيروس كورونا تسبب في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين بوقف السفر بين أميركا وأوروبا، وبين العديد من دول العالم.
وبالعودة إلى الفيلم الذي يقال إنه تنبأ بكورونا، نتذكر أن تاريخ السينما حافل أيضاً بسلاسل أفلام الزومبي، وأقرب مرض لكائن الزومبي المتخيل سينمائياً هو داء الكلب (السعار) الذي كان يحول الإنسان إلى ما يشبه الوحش قبل أن يموت، وتم اكتشاف علاج لهذا الداء عام 1884، فهل على البشر توقع أن تتحول كل أفلام الرعب والخيال إلى واقع في حياتهم، كما حدث مع فيلم «عدوى»؟!

*كاتب إماراتي