هل ينجح اتفاق التسوية بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الأفغانية؟ لماذا لم ينجح اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ ولماذا فشلت كل مشاريع التسوية بين تركيا والأكراد، وبين الأكراد والعراق؟ ولماذا بعد مرور أكثر من 70 عاماً، لم تنجح التسوية بين الهند وباكستان؟ وهي لم تنجح حتى داخل كل من الهند وباكستان؟
والأمثلة على ذلك كثيرة، وفي مختلف أنحاء العالم: لماذا تفتت الاتحاد السوفييتي السابق، والاتحاد اليوغسلافي السابق؟ ولماذا؟.. ولماذا؟..إلخ.
منظمة السلام العالمي «انتربيس Interpeace» تقدم تفسيراً لهذه التساؤلات –وليس جواباً عليها، فتقول إن نصف اتفاقات التسوية والسلام تسقط بعد مرور 7 أو 12 سنة على عقدها، وإن ثلث هذه الاتفاقيات ينهار، حتى بعد إقراره.
وتقول المنظمة أيضاً إنه منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، كانت معظم الصراعات التي شهدها العالم استمراراً لصراعات سابقة، لم تكن جديدة بل مستجدة.
لم تكتف المنظمة الدولية بتشخيص هذه الحالة وبالاكتفاء بوصفها، ولكنها تذهب إلى ما هو أعمق من ذلك. تذهب إلى تحليلها باعتبار أنها ظاهرة منتشرة في كل بقاع العالم: أميركا الجنوبية، أفريقيا، آسيا، أوروبا، وطبعاً الشرق الأوسط. تبدأ المنظمة في عملية تشخيص الظاهرة بالتوقف أمام البدايات الأولى للمفاوضات حول التسوية السياسية. وتقول إن اللاتوازن بين طرفي المفاوضات ينعكس على النتائج. والنتائج اللامتوازنة هي في طبيعتها غير مهيأة للحياة وللاستمرار. من هنا السؤال: هل كان هناك توازن بين وفدي المفاوضات الأميركي الذي يدعمه حلف شمال الأطلسي، و«الطالباني» الذي تدعمه باكستان؟
السبب الثاني للفشل اللاحق، هو تحديد الأولويات على قاعدة الحاجات الراهنة، وليس على قاعدة الأهداف المستقبلية.
من ذلك مثلاً، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يستعد لخوض معركة انتخابات رئاسية (لدورة ثانية)، يحتاج إلى أن يقدم للناخب الأميركي مادة تعزز فرصه بالبقاء في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات جديدة. وتشكل التسوية مع حركة «طالبان» على قاعدة إنهاء الحرب الاستنزافية (الأطول في تاريخ الولايات المتحدة) وإعادة القوات الأميركية إلى وطنها، العامل الأساس لهذه الفرصة.
ولكن أي أفغانستان في ظل «طالبان»؟ وأي دور لها في الصراع اللامتناهي بين الهند وباكستان، خاصة بعد زيارة الرئيس ترامب إلى الهند وتأييده الشديد للرئيس مودي؟
من هنا أهمية النظرية التي تقول بها المنظمة الدولية «انتربيس Interpeace»، وهي ضرورة صياغة حلول بعيدة المدى للمشاكل والاضطرابات والصراعات الراهنة.. وليس مجرد تسويات قصيرة النظر ومحدودة التطلعات.
وتقول المنظمة إن الأكثرية الصامتة التي تدفع الثمن أثناء الصراعات، سوف تواصل دفع ثمن تسويات ترقيعية غير قابلة للحياة. وإن التسويات بعيدة النظر، والتي ترسي أسساً لمستقبل جديد، هي التي تحوّل معاناة الأكثرية إلى مكاسب ناجحة.
وتؤكد المنظمة على أمر مبدئي مهم آخر. وهو أن «التسويات الخلفية» التي يتم التوافق عليها بين النخب السياسية، غير قابلة للحياة إذا لم تراعِ سوى المصالح الآنية لهذه النخب. أما «التسويات الشفافة» التي تشمل الجماعات، فهي التي تعيش وتثمر لأنها تستمد شرعيتها وديمومتها من مصلحة هذه الجماعات؛ أي من المصلحة الوطنية العليا. وهناك أمثلة عديدة على ذلك.
ففي الوقت الذي تمر فيه ليبيا في مرحلة من الضياع والتخبط بين الوحدة والانقسام، فإنها تقف أمام تجربتين متناقضتين يمكن لها أن تتعلم منهما: تجربة السودان التي أدت إلى انفصال الجنوب عن الشمال، وتجربة لبنان الذي تمكّن من المحافظة على وحدته الوطنية (اتفاق الطائف) رغم عقدين من الحرب والصراع الدموي.
لم يكن أي من الصراع في السودان، أو في لبنان، مجرد صراع محلي. كانت لكل منهما أبعاد خارجية أيضاً، دولية وإقليمية. والقضية الأفغانية ليست استثناء.
من أجل ذلك، فإن التسوية الأميركية مع حركة «طالبان» تحتاج إلى الكثير من العمل، حتى تصبح تسوية مع أفغانستان، بما يمكّن هذه الدولة التاريخية من استعادة موقعها الطبيعي في المنظومة الآسيوية، وفي منظمة التعاون الإسلامي.
*كاتب لبناني