الشتاء النووي كان أحد عناوين الحرب الباردة، حيث سيضطر فيه الناجون من حربٍ كونية إلى العيش تحت الأرض لسنوات طويلة، حينها انتشرت صناعة المخابئ المحصنة والقادرة على استدامة الحياة. واليوم يعيش العالم واقع شتاء كورونا بعدة أشكال، إلا أن حالة الرعب التي نستطيع تلمسها حتى الآن، قد تكون مقاربة نفسياً لحالة الشتاء النووي، حتى بعد تجاوز العالم مرحلة الصدمة الأولى، إلا أن القبول بالتبعات السياسية للجائحة لا زالت في مراحلها الأولى. وحال فشله في إيجاد فارس، فإنه سيبحث عن شماعة أو شرير لها.
عودة الأمور إلى سابق عهدها، بدل التصالح مع حالة الانكشاف الاجتماعي الذي مر به العالم، سيكون التحدي الأكبر، إلا أن الأنماط السلوكية للعواصم الكبرى تشير إلى العودة لمربع ما قبل الجائحة، بدل التعاطي المسؤول تجاه تخلقها. فالتعاطي الأميركي مع الجائحة أنتج نمطه الخاص، ففي حين تُظهر إدارة الرئيس ترمب أن الأولوية احتواء وتجاوز الأزمة، صحياً واجتماعياً، يكشف لنا قاموس مفرداته السياسية أن إعادة انتخابه هو شاغله الأول. وذلك تحديداً، ما عبّر عنه في تغريدة عبر حسابه على تويتر، عندما خاطب الشركات الكبرى مثل جنرال موتورز، بضرورة العودة للعمل في المناطق غير الموبوءة، حتى وإن تطلب الأمر البحث عن متطوعين. ومن الخطأ افتراض أن الرئيس الصيني شي جيبن بينغ لا يشارك الرئيس ترمب نفس الهواجس، حتى وإنْ غاب الناخب الصيني، فسباق التعافي الاقتصادي يحتل المرتبة الأولى استراتيجياً بالنسبة لهما.
احتواء ما لحق بواشنطن وبكين من أضرار بكبريائهما السياسي نتيجة الجائحة، ربما سيتحول مستقبلاً لشكل آخر من أشكال الحرب المفتوحة، وما إطلاق تسميات مثل «الفيروس الصيني»، أو مطالبة الصين بدفع تعويضات للادعاء بتسببها في انتشار (كوفيد-19)، إلا بدايات. إلا أن الانكشاف السياسي للولايات المتحدة داخلياً سيكون أعمق نتيجةٍ للسباق الرئاسي، والحال كذلك لبكين بعد رفض كل من إسبانيا وإيطاليا اعتماد منتجات طبية صينية، نتيجة تدني كفاءتها في الكشف عن الإصابات، بل طالت البروتكولات المقترحة للعلاج. حالة التخندق التي تمارسهما واشنطن وبكين لن تنجح في احتواء ما لحق بكبريائهما السياسي، بل يتوجب الاتعاظ بنماذج أكثر إيجابية في إدارة الأزمة كألمانيا، والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فهذه الدول اختارت إما المبادرة إلى دعم المجهودات الإقليمية أو القارية، كما فعلت الإمارات في ايصال إمدادات طبية إلى إيران والوقوف إنسانياً مع سوريا بعد أن تأكد انتشار الوباء فيها. أما ألمانيا، فإنها اختارت تقديم نتائج أبحاثها المختبرية الخاصة بتطوير أمصال لعلاج كوفيد-19 للعالم، بدل قبول احتكارها، رغم العروض الأميركية والصينية، ذلك بالإضافة لفتح مستشفياتها لتغطية نقص الأسّرة في فرنسا.
قمة العشرين الافتراضية التي عقدت بطلب من الرياض، وهي الرئيس للمجموعة في دورتها الحالية، كانت بهدف توحيد الموقف والجهود، ليس فقط في احتواء الجائحة، بل التعاطي بمسؤولية مع الآثار الاجتماعية لها، والتي لن تزول بزوالها. وحتى إن تبدى للجميع أن ما تم رصده من قبل الدول الأعضاء في المجموعة قد يبدو كافياً مرحلياً، فإنه سيكون ضئيلاً لاحقاً، خصوصاً لو استحكم الوباء في دول فقيرة بحجم بنجلادش أو باكستان، أو أخرى على حافة الفشل، ولنا في إيران أنموذج.
شتاء كورونا سيكون قاسياً، لو تعمق النمط الأميركي أو الصيني سلوكياً تجاه الأزمة، نتيجة الالتباس بين الكبرياء الوطني والكبرياء السياسي، لذلك على المجتمع الدولي ومنظماته اعتماد رؤية أكثر واقعية، في حال عجزت الدول الكبرى في تقديم أنموذج حقيقي في إدارة الأزمة، بما في ذلك دعم المبادرات الإقليمية والقارية لبعض الدول.
*كاتب بحريني