كيف يجب أن تتم قراءة توجه الهند لمنتجين مثل الولايات المتحدة وروسيا لتأمين إمداداتها من النفط، ومومباي لا تبعد عن ميناء الفجيرة سوى 1820 كم، أو 1600 كم من ميناء الدقم العماني، «يجب التحوط من مخاطر تعثر أو انقطاع الإمدادات عبر مضيق هرمز»، ذلك كان رد مصرفيين ومسؤولين هنود على سؤال من قبل (إس بي غلوبل S&P Global)، على هامش منتدى الطاقة الهندي، ونشر في تقرير صدر عنها في 14 من أكتوبر 2019، ويقدر حجم سوق الطاقة الهندي بحوالي 4.8 مليون برميل  يوميا ، وتستحوذ الصادرات السعودية على 18% منه، في حين تبلغ واردات الهند من النفط الأميركي بشكل يومي (وقت صدور ذلك التقرير) قرابة 200 ألف برميل.

  لم تسبق إدارتا أوباما وترمب أياً من الإدارات الأميركية المتعاقبة في توظيف النفط الأميركي كأداةٍ من أدوات السياسة الخارجية، إلا أنها الدلالة على أن لا ثوابت في السياسة، وذلك يقود لأكثر من سؤال، أولاً: هل للقلق الهندي ما يبرره اقتصادياً أو سياسياً؟ وثانياً: ما هي الترجمات الفعلية للعلاقات الاستراتيجية بين منظومة الدول الخليجية والهند؟ الطلب الهندي من النفط مرشح ليتجاوز 6 ملايين برميل يومياً قبل حلول منتصف العقد القائم، في ظل تزاحم عنيف من قبل المنتجين الكبار في الاستحواذ على حصص كبيرة في السوق الهندي، فهل سيكفي الاستثمار المباشر في البنى التحتية والتحويلية، بالإضافة لأسواق التجزئة لضمان حصص دولنا في سوق مثل السوق الهندية. وجود منافذ استراتيجية مثل الفُجيرة والدقم ضروري، ليس فقط في تأمين صادراتنا بل في تأمين منظومة أمننا الاقتصادي الاستراتيجي، وفي حال تطويرهما إلى مجمعات لوجستية ليس في شحن وتخزين النفط أو مشتقاته، بل منظومة متكاملة براً وبحراً، فإن هذا ضمان لتأمين احتياجات كافة دول المنظومة الخليجية، في حال تعرضت الملاحة لأي طارئ في مضيق هرمز. والبعد الاخر هو اخراج مضيق هرمز من المعادلة السياسية اي الارتهان به. 

عُمان والإمارات تملكان جغرافياً واجبة التوظيف استراتيجياً في البعدين الاقتصادي والأمني، وتملك الإمارات الموارد اللازمة، وتدرك سلطنة عُمان الميزات الاستراتيجية لموقعها الجغرافي، وقد تكون من محاسن جائحة كوفيد-19، أن وضعت العالم أمام تحديات غير مسبوقة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن انعاش الاقتصادات الوطنية ستكون له الأولوية الأولى لجميع الدول، وقد تمثل المشاريع الكبرى الممولة من الدول إحدى أهم الآليات المحفزة لتنشيط الاقتصادات، إلا أن الإفراط في الاعتماد على دور الدولة، دون إشراك القطاع الخاص، يعد أمراً بالغ الخطورة الآن، لذلك على دولنا المضي قدماً في تحفيز رأسمال المال الوطني، والانخراط استراتيجياً في إعادة تحفيز الاقتصادات الخليجية، إما عبر أذونات خزينة طويلة الأجل أو ضمان رأس المال المستثمر في المحركات الكبرى للاقتصاد.
الاستثمار الاستراتيجي في عُمان الآن ينبغي أن يستحوذ ليس فقط على اهتمام دولنا، بل يجب أن يدفع القطاع الخاص الخليجي دفعاً للاستثمار فيها، وإن كان ذلك عبر آليات ضمان رؤوس الأموال، أو أذونات خزينة طويلة الأمد، ويمثل تحويل ميناء «الدقم» إلى مجمع اقتصادي ولوجستي أهمية خاصة ليس للعُمانيين فقط بل لكل دولنا، نحن نملك أسواق المال القادرة على استقطاب اهتمام المستثمر الإقليمي والخليجي، إلا أن أسواقنا لا زالت تقليدية فيما يتعلق بتطوير أدوات التمويل، وإنْ أردنا مثالاً على تكامل الدولة وأسواق المال في إدارة الأزمات وإعادة انعاش الاقتصادات، فإن فيما بات يعرف بـ«سندات بريدي»، الذي يعد من أفضل أمثلة إدارة أزمات الدين وإعادة إنعاش الاقتصادات.
الأميركي «نيكولاس بريدي» كان وزير الخزانة في إدارة الرئيس ريجان، لذلك يجب أن يتعاظم دور وحجم كل من مينائي الفجيرة الإماراتي و«الدقم» العماني، ليس فقط من منطلق تأمين احتياجات الأسواق من الطاقة، بل من منطلق الأمن الاقتصادي المشترك لعموم دول الخليج العربية، التي تمتلك منافذ استراتيجية مثل البحرين، الكويت، وقطر.