إن من الأهداف العامة الرئيسة لإنشاء الشركات المساهمة العامة محدودة المسؤولية كونها تلعب دوراً بارزاً ومؤثراً في سياسة تخصيص الموارد الاقتصادية وسياسة توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي. وذلك لكي لا تتركز الموارد الاقتصادية في قطاعات اقتصادية معينة دون أخرى، ولكي لا تتركز الأموال والثروات في أيادي الفئات الغنية وتُحرَم منها الفئات الفقيرة. ويرجع ذلك لعدة أسباب منها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي واستراتيجي. ومن أهم الأسباب الاقتصادية يرى الاقتصاديون أن الميل الحدي للاستهلاك، (أي للطلب على السلع الاستهلاكية الأساسية والضرورية والكمالية المتواضعة: كالغذاء والكساء والزواج والمنزل والسيارة) يكون مرتفعاً لدى الفئات الفقيرة أكثر منه لدى الفئات الغنية، في حين تميل الفئات الغنية إلى زيادة طلبها على السلع الكمالية وسلع الترف والرفاهية المرتفعة التكاليف، وذلك لكونها قد تشبعت من السلع الأساسية والضرورية. وبالتالي يكون الميل الحدي للاستهلاك لدى الفئات الغنية منخفضاً وميلها الحدي للادخار بالطبع أكبر منه لدى الفئات الفقيرة. ومن هذا المنطلق فإن الاقتصاديين يرون بأن التوسع في سياسة الخصخصة وإنشاء الشركات المساهمة العامة من شأنه أن يعمل على ترشيد تخصيص الموارد الاقتصادية وسياسة توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي.
إن التوسع في إنشاء الشركات المساهمة العامة يؤدي إلى اتساع قاعدة المساهمين لتشمل أعداداً كبيرةً من الجماهير ذوي المدخرات المنخفضة، الذين لا يتمكنون بمفردهم من تأسيس مشاريع اقتصادية. وكلما كانت القيمة الاسمية لأسهم الشركات المساهمة العامة عند الإصدار الأولي منخفضة كلما اتسعت الفرصة أمام ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة للدخول كمساهمين في تلك الشركات. حيث يرى الاقتصاديون أن أغلب ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة غالباً ما تكون مدخراتهم الخاصة صغيرةً جداً ولا تكفي لإنشاء مشاريع اقتصادية مستقلة ومربحة، فضلاً عن كونهم يفتقرون إلى الخبرة اللازمة لإنشاء المشاريع الاقتصادية وإدارتها، وأنهم لا يستطيعون كذلك توظيف مدخراتهم في البنوك بسبب الربا وبسبب التضخم النقدي الذي يأكل القيمة الحقيقية للنقود، وكذلك بسبب فريضة الزكاة التي تأكل رؤوس الأموال النقدية الجامدة وغير المستثمرة، إضافةً إلى أن التاجر الفرد مسؤوليته في السوق غير محدودة في حين أن الشركات المساهمة العامة مسؤوليتها محدودة.
وبالتالي فإن قيام الشركات المساهمة العامة يعد فرصةً جيدة لاستثمار المدخرات المتراكمة واستغلالها وإعادة تدويرها في الاقتصاد بطرق مفيدة. فإذا كانت الشركة مربحة احتفظ المستثمر بأسهمها كاستثمار طويل الأجل، وإن كانت غير مربحة لجأ إلى سوق الأوراق المالية لبيعها وقد يربح من بيعها أيضاً كاستثمار قصير الأجل. وهذا يعني أن عملية إعادة توزيع الدخل القومي قد تتم بطريقة اقتناء الأسهم وجني أرباحها أو بطريقة تداولها عن طريق سوق الأوراق المالية، وفي كلتا الحالتين نجد أن صغار المدخرين مستفيدون في تحسين مستوى معيشتهم.
إن عمليتي توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي من شأنهما أن تعملا على تخصيص وإعادة تخصيص الموارد الاقتصادية الكلية برشد وعقلانية وعدالة وتوازن اقتصادي. حيث أن الطلب الكلي على السلع والخدمات، والذي ستتم إعادة توجيهه وتدويره تجاه سلع وخدمات معينة بسبب عمليتي توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي، من شأنه أن يؤثر على العرض الكلي، ومن ثم يؤثر في عملية تخصيص وإعادة تخصيص الموارد الاقتصادية الكلية والتي تسبق العمليات الإنتاجية وتتخللها، وكذلك التي تعقبها. كما أن التوسع في عملية الخصخصة وإنشاء الشركات المساهمة العامة من شأنه أن يؤدي إلى تنمية وتشجيع الوعي الادخاري والاستثماري لدى شرائح كبيرة من الناس وتحريك أسواق المال والأسهم. حيث أن أسواق المال والأسهم في الدول الصناعية المتقدمة وبعض الدول الحديثة العهد بالتصنيع تكون بمثابة مرآة عاكسةً تعكس الوضع الاقتصادي للبلد المعني وتعبر بصدق عن التغيرات الاقتصادية والدورات الاقتصادية التي يمر بها البلد المعني، وذلك بسبب تركيز تلك الاقتصاديات على الشركات المساهمة العامة محدودة المسؤولية وإعطائها دوراً أساسياً حيوياً في الاقتصاد بشقيه الإنتاجي والاستهلاكي معاً، وفي ذات الوقت تقليص دور المالك الفرد أو العائلة للمنشآت والشركات المنتجة. فإذا ما تحققت هذه الأهداف فإن الشركات المساهمة العامة تصبح بالفعل شركات استثمارية تنموية واعدة وذات مصداقية، حيث يضع المستثمر ثقته الكبيرة فيها. وتصبح استثماراتها حينئذٍ استثمارات طويلة الأجل تساهم مساهمةً فعليةً في التنمية الاقتصادية.
أما إذا ما استُغِلَّت الشركات المساهمة العامة استغلالاً سيئاً ووظفت لأجل استثمارات ذات صبغة مضاربة قصيرة الأجل غير عادلة وغير متكافئة في السوقين الأولي والثانوي، وذلك كما يحدث في الكثير من الاقتصاديات ومنها الإمارات، فإن ذلك قطعاً يلحق أضراراً كبيرةً في الاقتصاد. ومن الصور التي تأخذها ت