يرسم استطلاع لآراء الفلسطينيين أجري خلال الآونة الأخيرة صورة واضحة للقضايا التي تشغل بال الناخبين قبيل انتخابات البرلمان الوطني، المزمع إجراؤها في الخامس والعشرين من يناير الجاري· الاستطلاع، الذي أجرته مؤسسة ''زغبي إنترناشيونال'' خلال الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، أسفر عن تقدم حركة ''فتح'' على حركة ''حماس'' (قائمة الإصلاح والتغيير)· ومع ذلك، تبدو ''حماس'' قوية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسجل قوائم صغيرة أخرى نتائج أفضل مما كان متوقعاً، في حين يبدو أن امتياز حركة ''فتح'' في استطلاعات الآراء قد تقلص خلال الأسابيع الأخيرة·
وبصفة عامة فقد تمثلت القضايا الكبرى التي يوليها الناخبون الفلسطينيون الاهتمام حسب درجة أهميتها لديهم فيما يلي:''الإفراج عن المعتقلين'' (في السجون الإسرائيلية) و''الأمن الداخلي'' و''تحقيق الوحدة الوطنية'' و''خلق فرص العمل'' و''محاربة الفساد''· هذا في حين احتل موضوعا ''مواجهة إسرائيل'' و''التفاوض من أجل السلام'' مراتب متأخرة في قائمة القضايا التي تحظى بالأولوية لدى الناخبين الفلسطينيين· وجواباً على سؤال بخصوص أي حزب هو الأفضل في معالجة هذه القضايا، تقدمت ''فتح'' بشكل كبير على ''حماس''· وقد تقدمت ''فتح'' في خمس من أصل هذه القضايا السبع، ولا سيما في ''التفاوض من أجل السلام'' و''خلق فرص العمل'' و''الأمن الداخلي''· أما بخصوص ''محاربة الفساد'' فقد كانت المجموعتان متعادلتين تقريباً، في حين كانت قضية ''مواجهة إسرائيل'' الوحيدة التي سجلت فيها ''حماس'' تقدماً·
والواقع أن بعض هذه القضايا فقط يفسر أسباب مفاضلة الناخبين بين ''فتح'' و''حماس''، ذلك أن أكثر من نصف الناخبين الذين سيصوتون لصالح ''فتح'' يقولون إنهم سيفعلون ذلك لأن ''فتح'' هي ''الأفضل''· وبالمقابل، فإن السبب الرئيسي الوحيد لاختيار الناخبين لـ''حماس'' هو عامل ''الدين''· وعندما طلب من المستجوبين في الاستطلاع رأيهم حول عدد من الزعماء الفلسطينيين، حصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي لن يترشح في هذه الانتخابات، على 62 في المئة من معدلات التأييد· وبالمقابل يبدو أن السلطة الفلسطينية التي يوجد على رأسها لا ينظر إليها بعين الرضا، حيث حصلت إجمالا على 22 في المئة من معدلات التأييد· ومن بين الشخصيات المرشحة في انتخابات هذا الشهر، يعد مروان البرغوثي من حركة ''فتح'' المفضل لدى الناخبين والأكثر شعبية، حيث حصل على 81 في المئة من معدلات التأييد· ونظراً للمعدلات السلبية التي منحت لأحمد قريع، لا يسع المرء إلا أن يخمن النتائج السلبية التي كانت ستمنى بها ''فتح'' في هذه الانتخابات لو أنه تزعم قائمة ''فتح''· ويأتي بعد مروان البرغوثي من حيث الشعبية زعيم قائمة ''حماس'' إسماعيل هنية، ووزير المالية السابق سلام فياض، الذي يتزعم حاليا ''قائمة الطريق الثالث''· في حين كان أقل معدل تأييد يحصل عليه زعيم فلسطيني خلال هذا الاستطلاع من نصيب المسؤولين الأمنيين جبريل الرجوب (33 في المئة من معدلات التأييد) ومحمد دحلان (43 في المئة)· وفي حين يبدو أن الناخبين الفلسطينيين ملتزمون في هذه الانتخابات، إلا أنهم واقعيون، ذلك أن أقل من نصف المستجوبين يعتقدون بأن نتيجة هذه الانتخابات لن تتمخض عن أي تغيير حقيقي في الوضعية الفلسطينية· فبخصوص أحد المواضيع المشار إليها أعـلاه، مثـــلا، -''أي جهة ستقوم بعمل جيد في المفاوضات من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل'' -حصلت ''فتح'' على 75 20- هامش متقدمة على ''حماس''· وبالتالي يمكن الاستنتاج بأنه في حال كان الفلسطينيون واثقين بإمكانية إجراء هذه المفاوضات وبأن اختيارهم في هذه الانتخابات سيحدد ما إذا كانت مفاوضات السلام قد تجرى، فمما لاشك فيه أن اختيارهم خلال يـوم التصويت سيـتأثر بذلك· ولكن لما كانت سياسـة إسرائيل أحادية الجانب تلغي عمليا هـذه الإمكانية، فقد وضع الفلسطينـيون هذا الموضوع في مراتب متأخـرة من قائـمة أولوياتهم·
تذكرني هذه الانتخابات نوعا ما بالانتخابات هنا في العاصمة الأميركية واشنطن، ذلك لأن فلسطين وواشنطن كلاهما لا يتوفر على حكومات ذاتية، بل ولا حتى أمل في الحصول عليها في الأفق المنظور، ولذلك فهي ترقى إلى ما يمكن وصفه بجعجعة بلا طحين· لا أقصد بذلك أنه لا أهمية لانشغالات الناخبين أو أن العملية الديمقراطية غير مناسبة، ولكن نظرا لأن الناخبين يعلمون الحدود المفروضة على البرلمان الذي سينتخبونه، فذلك يوضح بجلاء لماذا يولون الانشغالات ''الداخلية'' مثل تحقيق الوحدة الوطنية ومحاربة الفساد أهمية كبرى· ولما كانت هذه الانتخابات ستجرى على مستويين، فإنه من الصعب التكهن بنتائجها بدقة· ومع ذلك، فإن كان استطلاع الآراء يشير إلى النتيجة، فإن البرلمان الفلسطيني المقبل سيشبه البرلمانات الإيطالية القديمة، بائتلاف حاكم مشكل من عدد من الأحزاب الصغرى· قد لا تكون هذه أفضل النتائج، ولكنها الأفضل التي يمكن توقعها تحت نير الاحتلال·