الحوار حول قضايا التعليم والذي أثير مؤخراً في إحدى جلسات المجلس الوطني الموقر، كان مثمراً ومفيداً. ونطرح في هذا المقال رؤيةً جديدةً وجريئةً لعلاج مشكلة التعليم، مسيتمدة من الواقعِ المعاشِ ومن التجاربِ المتعددة. ما هو غرضنا من التعليم؟ أو لماذا نتعلم؟ لقد حدَّدنا الهدف الذي ينبغي أن نصل إليه في ثلاثة محاور نعتقد أنها غاية ما يطلبه الإنسان ويتمناه في هذه الدنيا. أولها (إيجاد المجتمع الراقي) الذي يتحلي أفراده بمكارم الأخلاق ويلتزمون فيه الصدق والأمانة والوفاء بالوعود والعهود؛ مجتمعٌ أفراده متحابون متعاونون يكفل الغنيُّ منهم الفقيرَ. وثانيهما (بناء الاقتصاد القوي) وهذا لا يتم إلا عبر أفراد مواصلين لتعليمهم لا ينقطعون عنه؛ أفراد يؤمنون بأن العمل في حدِّ ذاته عبادة لله سبحانه وتعالي فيحبون عملهم ويبدعون فيه، مما يؤدي تلقائيًّا إلي زيادةٍ في الإنتاج وارتفاع في معدلات الدخل القومي. وثالثهما (تحقيق الإدارة المستقرة) التي تحقق الاستقرار الإداري، وهو في اعتقادنا نتاجٌ طبيعيٌّ لرقيِّ المجتمع وقوة اقتصاده. نأتي بعد ذلك إلى الركائز الأساسية التي يجب أن يقف عليها التعليم الذي نقترحه لنصل به إلى هذه الغايات المنشودة. لقد ذكرنا سابقاً أن نظم التعليم التقليدية والمناهج المستوردة هي سبب تدني المخرجات وكثرة الشكاوي. وهنالك ركيزتين أساسيتين لا بدَّ منهما للنهوض بالتعليم. أولهما (الاهتمام بالتربية التي أُهملت). والتربية التي نقصدها، هي تربية الإنسان سلوكياً واجتماعياً في المقام الأول. وهذه التربية التي نتحدث عنها لا سبيل إليها إلا عن طريقٍ واحدٍ وهو نظام (المعلم الشامل). نظام أساسي تمتد جذوره إلي عهد رسولنا الكريم، وتواتر نظام المعلم الشامل ردحاً من الزمن إلى أن غزتنا الثقافات الدخيلة وجرف تيار سيلها العرم كثيراً من عاداتنا ومعتقداتنا. وتبعاً لذلك صار أبناؤنا حقول تجارب للعديد من الأنظمة التعليمية. فكيف يستقيم أن يربي ابني مجموعة من المربين يتعاقبون عليه واحداً تلو الآخر في اليوم الدراسي الواحد، وهم من جنسيات مختلفة وبلهجات متعددة وأفكار متباينة؟ وركيزة التعليم الثانية هي (إعداد الطلاب لسن التكليف) وهي إكمال الطالب لخمسة عشر عاماً من عمره. هذا ما يلزمنا به الشرع حقيقة نحو تعليم أبنائنا. أما مواصلة التعلم، فقد بين فضائله الدين الإسلامي الحنيف، وحث علي طلب العلم من المهد إلي اللحد. لهذا لا نجد ما يقنعنا بأن يظل طلابنا قابعين في قاعات الدروس حتى تتجاوز أعمارهم الثالثة والعشرين عاماً، ثم نحتاج بعدها إلي إعدادهم وتأهيلهم ليصبحوا أعضاء فاعلين منتجين في المجتمع، أعتقد أنه لن يكون هناك وقتٌ كافٍ-أمدَّ الله في أعمار الجميع. مقترحنا الذي نعتقد بأنه النظام الأمثل لإحداث النهضة التعليمية، يتمثل في اتجاه وزارة التربية والتعليم نحو خصخصة قطاع التعليم وإتاحة الفرصة للراغبين من المعلمين والمعلمات المواطنين لتأسيس شركات مساهمة خاصة تتعهد بتربية وتعليم الطلاب وفق الأسس التي تضعها الوزارة مع مراعاة ركائز التعليم الأساسية التي أشرنا إليها. ويحق لكل مجموعة معلمين مواطنين أنشأت شركة تعليمية، أن تستعين بالكوادر التعليمية الوافدة، أو بمن تراهم مناسبين لتطبيق وإنجاح البرنامج التربوي والتعليمي المتفق عليه. ويكون المعلمون الوافدون مساهمين مشاركين في الأرباح فقط، وليس الأصول. تقوم الشركة المتعهدة بتوزيع صافي الأرباح بعد خصم مصروفاتها العامة والاحتياطية، علي المعلمين والعاملين المساهمين فيها حسب معايير الكفاءة والجودة المتفق عليها. ومن المؤكد أن المعلم أو العامل سيحصل على عائد مادي يساوي أضعاف ما كان يحصل عليه في وضعه التقليدي السابق. طريقة التعليم التي يجب أن تسير عليها هذه الشركات المتعهدة، هو أن تعهد لكل معلم أو معلمة بمجموعة من الطلاب، لا يزيد عدد كل دفعة عن الأربعة والعشرين طالباً، يكون المعلم مسؤولاً عنهم مسؤولية كاملة في تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم. تقوم الوزارة بإعارة المدارس للشركات المتعهدة، دون أن تتحمل الوزارة تكاليف الصيانة وغيرها. وتنشئ قسماً خاصاً للمتابعة والتطوير تختار له علماء أكفاء وقادة متخصصون يتابعون ويوجهون ويحركون الشركات المتعهدة نحو الأفضل وتلزمهم بتطبيق معايير الجودة المتفق عليها. وكسياسة تحفيزية، ترصد الوزارة في نهاية كل عام دراسي، المكافآت والجوائز للمتفوقين والمبدعين من الطلاب والمعلمين. كما تكافئ بصورة خاصة الشركات التي التزمت بالبرنامج المتفق عليه وحققت تميزاً فيه. هذه الفكرة لو طبقت، ستتحقق جملة أهداف وعدة فوائد، منها علي سبيل المثال: تخفيف العبء علي وزارة التربية والتعليم، وبناء كوادر مسؤولة لحقل التعليم وتنمية مهارات وقدرات الطلاب وتحفيزهم على الإبداع. ولأن المعلم في كل دول العالم يعتلي مركز الصدارة بين المهن الأخرى، فإن المقترح يعمل على رفع قيمته باعتباره محور العملية التربوية والتعليمية، وسيحد من ظاهرة التسرب ورسوب الطلاب. أعتقد أن هذا الأسلوب التربوي والتعليمي المقترح، سيكون طفرة هائلة ونموذجاً جديداً وجريئاً لن يلبث طويلاً حتى تتلقفه كثير من الأنظمة التعليمية في العالم. ودولتنا الفتية سباقة دائماً في تصدير التميز للعالم. ويمكن أن نجري مقارنة بسيطة لنعرف الفارق الكبير بين النظام الذي نقترحه ونظام التعليم الحالي. ستجد أن النظام المقترح يتيح للطالب أن يتأهل لدخول سوق العمل قبل نظيره في النظام الحالي بسبع سنوات كاملة. وعلي سبيل المثال: لو كان ثمة تلميذ يدرس تبعاً للنظام الحالي، وآخر يدرس وفقاً للنظام المقترح، فان الفارق بينهما من حيث تكلفة التعليم يكون كالآتي: الأول أي من يدرس وفق النظام الحالي ستنفق الدولة عليه 105 ألف درهم خلال السبع سنوات، في حين أن الثاني الذي سيدرس وفق النظام المقترح، لن يكلف الدولة هذا المبلغ، بل سيصبح منتجاً مساهماً في الدخل القومي. ويحصل على مبلغ لا يقل عن الأربعة آلاف درهم عبارة عن راتب شهري، أي ما يعادل 336000 (ثلاثمائة ستة وثلاثون ألف درهم) بجانب الخبرة المكتسبة خلال مدة السبع سنوات، والتي يكون فيها الطالب قابعاً في قاعات الدرس. ولك أن تقيس ذلك علي مجموع الطلاب في الدولة والذي وصل إلي حوالي الستمائة ألف طالب، لتعرف كمية الهدر في الوقت والمال.