قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة رسمية إلى الدولة التقى خلالها كبار المسؤولين وتبادل معهم وجهات النظر حول علاقات الإمارات بالسودان. والملفت للنظر هو أن زيارة رئيس السودان للبلاد تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة العديد من التطورات التي تحتاج إلى التنسيق والتشاور. إنْ أهم ما تشهده المنطقة يبدأ بالسودان مروراً بالعراق ولبنان وانتهاء بالملف النووي الإيراني الذي لايزال مفتوحاً على مصراعيه. فما الذي تعنيه زيارة الرئيس البشير لدولة الإمارات؟ وما الذي يمكن أن تحققه للطرفين؟ ومن المعلومات التي توفرت حول الزيارة يتضح بأن الملف الاقتصادي في جانبه الاستثماري كان سيد المواقف، بمعنى أن السودان ممثلا برئيسه توجه نحو دولة الإمارات على أمل استقطاب المزيد من الاستثمارات الرسمية والخاصة. استثمارات الإمارات في السودان لازالت في مستوى منخفض عما يجب أن تكون عليه، حيث تصل في أقصاها إلى ملياري دولار أميركي. وقياساً بما يمكن لدولة الإمارات أن تستثمره وقياساً أيضاً بما يمكن للسودان أن يستوعبه من استثمارات، يعتبر المبلغ متواضعاً ويحتاج من الطرفين إلى البحث عن أسباب ذلك، وأين تكمن المشكلة؟ السودان بلد واعد لاستقطاب الاستثمارات القادمة من الإمارات، ففيه من مجالات الفرص ما قد يعجز الإنسان عن تصنيفه وشرحه. وعوضاً عن الخوض في ذلك، دعونا نتطرق لأهمية الزيارة ذاتها، وما الذي تستطيع دولة الإمارات فعله، لكي تضع علاقاتها الخارجية بالسودان في مسارها القويم الذي كانت عليه منذ قيام الدولة عام 1971. زيارة الرئيس البشير تعتبر بداية لصفحة جديدة من العلاقات مع كافة دول مجلس التعاون. وهذه بحد ذاتها فرصة ذهبية للسير قدماً في هذا الاتجاه وتقديم ما يمكن تقديمه من عون ومساعدة، لكي يخرج السودان من المحن التي تحاول العديد من الجهات الخارجية إيقاعه فيها. فالتغاضي عن إعادة العلاقات الطبيعية مع السودان من كافة دول مجلس التعاون ليس في مصلحة هذه الدول، ثم أنها ليست أيضاً في مصلحة السودان. إن الحفاوة البالغة التي حظيت بها الزيارة سواء كان ذلك على المستوى الاتحادي أو المستوى المحلي تدل على أن الإمارات جادة في إعادة ترتيب أمور علاقاتها مع السودان، لأن المسؤولين فيها عودونا على قراءة المستقبل بشكل جيد، ومستقبل السودان واعد جداً لكي تصبح البلاد إحدى أهم دول أفريقيا على صعيد التنمية. إن السودان على مدى السنوات القادمة سيحتاج كثيراً إلى تطوير بناه التحتية لأن جودتها عامل مهم في استقطاب الاستثمارات الخارجية وتدفق رؤوس الأموال. وفي بلد ممتد المساحة ستحتاج مشاريع البنية التحتية وحدها إلى مليارات الدولارات، وهذا مجال خصب، لكي تخوض فيه رؤوس الأموال الإماراتية. ويُضاف إلى ذلك أن رقعة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان واسعة والمياه اللازمة للزراعة متوفرة. وتشير العديد من التقارير الاقتصادية الغربية إلى أن السودان يحتوي على كميات ضخمة من النفط في باطن أراضيه، خاصة في الغرب والجنوب الغربي. ونظراً إلى صعوبة السير في استخراج النفط من مناطق عديدة في الغرب نظراً للظروف الدولية السائدة في هذه المرحلة، فإن المستقبل يعد أيضاً بأن تكون عائدات النفط مجزية، لكي تشجع على الاستثمار في السودان. الاستثمار في استخراج النفط ذاته عملية مجزية يمكن للإمارات الإسهام فيها من خلال شركاتها الوطنية العاملة في هذا المجال. الزيارة خلقت أمام دولة الإمارات والسودان فرصة مواتية لكي يقوما بتحدي الظروف الصعبة التي تحيط بالسودان وبعلاقات الطرفين بعضهما بعضاً. والواقع هو أن الإمارات تمتلك من الإمكانيات مايجعلها قادرة على دعم السودان وتقديم يد العون له في إطار من خطط استثمارية مرسومة يتفق عليها الطرفان وفقاً لاتفاقيات ومعاهدات تعود على الطرفين بالنفع والفائدة. العديد من مواطني الإمارات قلوبهم وعقولهم مع السودان وأهل السودان ويخافون عليه كثيراً من طمع الطامعين ومكائد الآخرين، لذلك فإنهم يقفون مع حكومتهم صفاً واحداً ويشجعونها على كل خطوة مباركة تتخذها باتجاه دعم السودان ومساعدته والوقوف إلى جانبه بكافة الطرق الممكنة. ما نأمله هو أن تكون زيارة الرئيس البشير فاتحة خير على البلدين، وبأن يحظى السودان نتيجة لها بكل مايستحقه من رعاية ومساندة من قبل كافة إخوانه العرب حفاظاً عليه كجزء أصيل من العالم العربي.