يحظى التراث التاريخي بأهمية فائقة، حيث إنه يمثّل الحاضنة الأساسية للهوية الوطنية، وهو يعدّ بمنزلة ذاكرة الوطن وموروثه التاريخي، ويتضمّن هذا التراث شقّين: أولهما، خاص بالجانب المادي من آثار ومعالم تاريخية معيّنة تجسّد تطوّر المجتمع والمراحل الأساسية التي مرّ بها عبر هذا التطوّر، ومن أبرز مظاهره الأبنية التاريخية والحرف اليدوية والأزياء الشعبية. ثانيهما، ينصرف إلى الشقّ المعنوي، المتمثّل في ما تمّ توارثه من قيم وعادات وتقاليد جيلاً بعد جيل، ومن ثم، فإن التراث التاريخي يقوم بدور كبير في تحديد معالم الشخصية الوطنية للدولة على الصعيد المحلي، وصورتها الذهنية على الصعيد الخارجي. من هذا المنطلق تولي دولة الإمارات التراث التاريخي أهميّة كبيرة، وهو ما عكسه تأكيد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، في تصريح له بمناسبة زيارته لمزاينة الظفرة للإبل بالمنطقة الغربية، من أن الحفاظ على التراث وتوريثه للأجيال القادمة يمثّل هدفاً استراتيجياً يسعى شعب الإمارات من ورائه إلى تقوية روابطه وصلاته مع تراث الآباء والأجداد. وفي الواقع، فإن تعزيز التراث الوطني يحظى باهتمام خاص لدى الإمارات، ويشهد هذا الاهتمام المزيد من الجهود الإضافية مع إعلان العام الاتحادي الحالي عاماً للهوية الوطنية، بتعزيز عناصرها، وتعميق مكوّناتها، وتكريس ممارساتها، وتحديد مهدّداتها، ومن أهم معالم هذا الاهتمام، الإعلان عن تأسيس متحف للثقافة البدوية، يعدّ الأول من نوعه على المستوى العالمي، وتتمثّل مهمّة المتحف الذي يختلف عن المتاحف التقليدية في حفظ وحماية وتطوير والترويج للثقافة البدوية، أما هدفه، فهو تقديم التراث بطريقة جذابة من خلال برامج متخصّصة. وتنطلق فكرة المتحف، من العمل على ضرورة تكريم وإحياء القيم البدوية الأصيلة في العائلة والمجتمع. ولا شكّ في أن هذه الأهمية التي تعطيها الإمارات للحفاظ على تراثها الوطني مردّها عوامل أساسية عدّة: أولها، أن المعرفة بالتراث تشكّل حافزاً للاهتمام بما يتضمّنه من معطيات مادية ومعنوية، وفي هذا الأمر تعزيز للهوية الوطنية. وفي السياق نفسه، فإن هذه المعرفة تذكي الشعور الخاص بهذه الهوية. ثانيها، الحفاظ على التراث حفاظ على ثروة قومية غير خاصة بجيل بعينه، بل هي حق لمختلف الأجيال، ولذلك تصنّف على أنها جزء من النفع العام. ثالثها، الإمكانات الخاصة بالتوظيف الاقتصادي للتراث من خلال السياحة التراثية، التي تمثّل السياحة الأهم لدى العديد من الدول، مقارنة بأنماط السياحة الأخرى، وهو ما يصبّ في سبيل المزيد من تنويع مصادر الدخل القومي. رابعها، يشكّل التراث القناة الأساسية لنقل العادات والقيم والتقاليد من جيل إلى جيل، ومن ثم، فهو يضطلع بدور جوهري في الحفاظ على الخصوصية الثقافية، وهو يمثّل الذاكرة التاريخية للشعب. خامسها، تزداد أهمية الحفاظ على التراث خلال المرحلة الحالية مع تنامي ظاهرة العولمة وما تنطوي عليه من تحدّيات هائلة للثقافات المحلية، تفرض ضرورة تعزيز هذه الثقافات كضمانة لصون الشخصية القومية للدولة. ولا شكّ في أن هذا الاهتمام الذي توليه الدولة لحفظ تراثها الوطني، يعكس الدور الذي تقوم به مؤسسات معنيّة، وفي مقدّمتها "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث"، التي تقوم بدور هائل في سبيل تعزيز الموروث التاريخي وتعزيز الثقافة الوطنية، من خلال برامج وفعاليات متواصلة. وعلى الرغم من كل هذه الجهود المبذولة لحماية التراث الوطني والحفاظ عليه، فإن هذه المهمّة التي تحتل مكانة متميزة في أجندة العمل الوطني بحاجة إلى المزيد من الجهود من قبل المؤسسات المعنية كافة بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث إن هذه المهمّة تتطلّب المزيد من تضافر جهود الجميع. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار" الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.