ذهبت إدارة بوش إلى العراق، وهي مزودة برؤية سياسية شجاعة لتغيير النظام، واستراتيجية عسكرية جريئة تعتمد على السرعة الفائقة بدلا من الكتلة المدرعة، لقهر العدو في ساحة المعركة. ولكن، وبعد عام على انطلاق تلك الحرب، فإننا نجد أن عنصري الوضوح والحسم، قد ضاعا سواء في المجال السياسي أو المجال العسكري في العراق.
لم يتبق أمامنا إلا ما هو أقل من 100 يوم قبل أن يتم تحويل السيادة والسلطة، على ما يفترض من سلطة الاحتلال الأميركي البريطاني في بغداد إلى...إلى من؟ لا أستطيع أن أقول إلى من، ولا حتى البيت الأبيض قادر على ذلك. ومن المحتمل أن يجعلنا هذا نتحول إلى تعيين مقاول من الباطن كي يقوم بتنظيم سلطة عراقية مؤقتة وهو الأمم المتحدة.
قررت واشنطن أيضا أن أي قرار جديد من مجلس الأمن، يجب أن يوفر الأساس القانوني للوجود الدائم لما يقرب من 150 ألف جندي أميركي (ومن جنسيات أخرى) بعد التاريخ المحدد لنقل السلطة في 30 يونيو، وذلك على رغم أن الإدارة كانت قد وافقت في الخريف الماضي على إجراء مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن وضع القوات، مع مجلس الحكم العراقي. إن واشنطن تعتبر أن مسألة قبول العراقيين-الذين لم تقم باستشارتهم- بهذا النقل الهادئ للسلطة قد أصبح أمرا مسلما به.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه دور الأمم المتحدة بإيعاز من أميركا، فإن صلاحيات السيادة السياسية التي كان مقررا نقلها إلى العراقيين قبل الأول من يوليو القادم، تبدو وكأنها أخذة في التقلص. وعلى ما يبدو أن هذا الأمر ينطبق أيضا على تعرض الرئيس بوش لأحداث غير قابلة للتنبؤ بها، أو لعراقيين لا يمكن التنبؤ بهم، خصوصا خلال هذا الفصل المحتدم للغاية من حملته الانتخابية. وبالطبع سوف يقول لك مسؤولو البيت الأبيض –إذا ما سألتهم عن ذلك- إنه أمر من قبيل الصدفة.
ولكن مع اقتراب الوقت سواء بالنسبة لتحويل السلطة إلى العراقيين، أو بالنسبة للانتخابات الأميركية، فإن إدارة بوش كما يبدو تقوم باستمرار بالتقليل من شأن عملية الإقناع والمفاوضات، المضيعة للوقت، مع العراقيين. ويلاحظ أيضا أن سلطة الائتلاف أصبحت تبدي اهتماما أقل بشأن المخاوف العميقة للأغلبية الشيعية بشأن مستقبلها السياسي. وقلة الصبر والاهتمام من جانب الأميركيين طفت على السطح، عندما قامت السلطات الأميركية في إجراء غير حكيم بإغلاق (صحيفة الحوزة) الراديكالية الأسبوعية يوم الأحد الماضي.
وحدوث نوع من البلبلة وعدم اليقين بعد مرور عام على الغزو الأميركي للعراق الذي ثار بشأنه جدل كبير يعد أمرا محتما، ولكنه لا يلغي التقدم الهائل الذي تم تحقيقه. فالإطاحة بنظام صدام حسين في التاسع من إبريل كان هو الخطوة الأولى الضرورية لإعادة العراق إلى الأسرة الدولية بعد ثلاثين عاما من سوء الإدارة، والمذابح الجماعية والطغيان، والصمت العالمي المخجل والمريب عن المقابر الجماعية الممتلئة بحثث هؤلاء الذين عارضوا، أو حتى قاموا بمجرد إغضاب النظام البعثي.
علاوة على ذلك، فإنه سيتم تسريع عملية إصلاح البنية الأساسية، وتقليص التوترات الاجتماعية في العراق، عندما يتم ضخ مبلغ الـ18 مليار دولار في بنيته الاقتصادية خلال فصلي الربيع والصيف من العام الحالي.
ولكن الشجاعة التي كانت أمرا لازما وضروريا من أجل تدمير النظام القديم اختفت وحل محلها نوع من التردد والتقهقر. يبدو هذا واضحا من خلال ضغط واشنطن المستمر نحو زيادة الدور الذي يجب أن يتم منحه للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، مفاوض الأمم المتحدة الموهوب. ومن المقرر أن يقوم الإبراهيمي بتدشين جولة جديدة من المشاورات في العراق هذا الأسبوع، وذلك على رغم عدم الرضا الواضح الذي أبداه أية الله العظمى علي السيستاني وغيره من زعماء الشيعة، نحو رحلة الدبلوماسي الجزائري إلى العراق، في شهر فبراير الماضي، والتي تنبأ فيها بأن هناك (حربا أهلية) ستندلع في العراق، إذا ما وافقت الإدارة الأميركية على تنفيذ رغبة السيستاني في إجراء انتخابات مبكرة.
وتصريحات الإبراهيمي تقلق الأغلبية الشيعية للسبب نفسه تقريبا الذي تدفع به الأقلية السنية التي استفادت من ودعمت نظام البعث للاطمئنان. هذا السبب هو أن الإبراهيمي قومي عربي، ورجل صاحب تاريخ طويل من العلاقات مع الحكومات السنية التي تسيطر على العالم العربي.
وعودة الإبراهيمي إلى العراق تأتي في الوقت الذي يدعو فيه مسؤولو الإدارة سرا، وكبار الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ علنا، وبقوة، إلى رفع القيود المفروضة على توظيف مسؤولي البعث السابقين، وممارستهم لأنشطتهم، ومعظم هؤلاء كما نعرف من السنة. وكانت عملية اجتثاث جذور حزب البعث بالنسبة للشيعة تعتبر بمثابة ضمان وتأكيد لعدم سيطرة السنة مجددا على الحكم. ومن ثم فإن الرفع العشوائي لتلك القيود من قبل المسؤولين الأميركيين، لن يساهم سوى في تعميق مشاعر القلق وعدم الاستقرار التي يشعر بها الشيعة حيال هذا الأمر.
منذ ثلاثة شهور خلت، كانت تحفظات السيستاني بشأن المستق