تعمل القوات الأميركية حاليا على ملاحقة "عصابات" سنية وشيعية تخصصت في الانتشاء باغتيال الأميركيين. وهذا هو عين ما تستدعيه العدالة وصون المصالح الأميركية في العراق. غير أن في أوساط إدارة الرئيس بوش، من شرع ينظر إلى هذا التصاعد في العمليات وارتفاع عدد القتلى الأميركيين، كذريعة لتأجيل نقل السلطة السياسية للعراقيين بحلول 30 يونيو المقبل، وتسليمها للحكومة العراقية المؤقتة التي سيتم تشكيلها هناك. إن فعلنا ذلك، فسوف نكون قد تعلمنا الدرس الخطأ من هذه الاضطرابات التي نشهدها ونتابعها الآن. والواجب أن ينقش اليوم المحدد لوضع نهاية للاحتلال الأميركي للعراق، على الحجر، ويحترم أقصى ما يكون الاحترام. ذلك أن دمغة الاحتلال بحد ذاتها، ستظل بمثابة مغناطيس جاذب لنشاط المعارضة والمقاومة لأي وجود أجنبي هناك. وليس أبلغ ضررا من أن تتصاعد هذه العمليات حتى تصل إلى كارثة الحرب الأهلية الطائفية، وهو احتمال ليس بمستبعد فيما نرى من وتائر التصاعد اليومي للهجمات. ومما لا شك فيه أن تجديد الحملة العسكرية في العراق، بحاجة إلى تعزيز واقعي سياسي من قبل إدارة بوش. ما لم يحدث ذلك، فإن الإدارة سوف تكون أكثر عرضة من قبل، لأن تعزل حلفاءها الطبيعيين عنها هنا في واشنطن، كما هو الحال في العراق. وعليه فإن من الواجب أن نجعل من هذه اللحظة لحظة لتصحيح الخطأ، وإزالة العتمة من وجه استراتيجية لم تعد تحظى بأي دعم على كلتا الجبهتين.
يذكر أن الدعوة إلى إعادة النظر في تسليم السلطة للعراقيين في تاريخ 30 من يونيو المقبل، قد انطلقت من ريتشارد لوجار المعروف عنه تعقله ورسوخ حكمته بين أعضاء مجلس الشيوخ. لكن وعلى أي حال، فقد أصاب بوش هذه المرة بتمسكه بتنفيذ الجدول الزمني المقرر لنقل السلطة إلى العراقيين، بينما أخطأ لوجار،العضو الجمهوري الحكيم من مجلس الشيوخ. ذلك هو ما أكده لي أحمد الجلبي-عضو مجلس الحكم العراقي- عبر مكالمة هاتفية جرت بيني وبينه بقوله: ليست هناك ميزة واحدة تذكر لتأجيل موعد نقل السلطة المقرر. ففي حالة التأجيل- والحديث لا يزال لأحمد الجلبي- سوف يشك الناس هنا في أن الولايات المتحدة الأميركية، إنما أرادت تمديد احتلالها السياسي للعراق. لكن وعلى أية حال، فإن من الأهمية بمكان الانتباه لما قال به ريتشارد لوجار، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، وكذلك زميله الديمقراطي- عضو اللجنة المذكورة آنفا- جو بدين.
فالشعور الطاغي لدى الكثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ، هو أن التجاهل والصمت المطبق الذي تتعامل به الإدارة تجاه قضية العراق، يبدو بمثابة سخرية واستخفاف بآرائهم. ولا شيء أسوأ من هذا في واقع الأمر، لأنه لن يعود للبيت الأبيض بأي مكسب سياسي، في معركة كسب الرأي العام هذه، على صعيد الجبهة الداخلية هنا أولا. ثم إن هذه مسألة يصعب الاستخفاف بها أصلا، إن كان للرئيس بوش أن يحقق أي نجاح انتخابي خلال المعركة الانتخابية الفاصلة في شهر نوفمبر المقبل. لقد حان الوقت لكي تدرك هذه الإدارة أنه ليس لها أن تتراجع إلى الوراء، إلى مربع الحرب الذي انطلقت منه أولا. يعني ذلك أن عليها أن تلتزم بموعد 30 يونيو الذي قطعته على نفسها. كما أن عليها أن تمضي باتجاه خطى التصحيح السياسي لكافة الأخطاء السابقة، التي كانت نتيجتها تأجيل تشكيل سلطة سياسية عراقية كاملة النفوذ والصلاحيات، تتسم بالشرعية والقبول الشعبي الواسع، ولها القدرة التامة على تولى شؤون الحكم في البلاد.
وبالطبع فإن التقيد بموعد الثلاثين من يونيو لن يكون أمرا سهلا، لأنه يتطلب أن تكون هناك سلطة عراقية مؤقتة، تتولى إدارة البلاد اعتبارا من الثلاثين من مايو المقبل. ويتعين على هذه السلطة أن تحدد الخطوط العامة لالتزامها بإخلاء مقاعد الحكم، وإفساح المجال للكيان السياسي الذي سيعقبها في الموعد المحدد أعلاه. يذكر أن التصريحات المقتضبة الصادرة عن الإدارة في واشنطن مؤخرا، قد شددت على عزم الولايات المتحدة على تعقب جناة الهجمات الأخيرة، التي أدت إلى مصرع الأميركيين الأربعة في الفلوجة في الحادي والثلاثين من شهر مارس الماضي- على يد مسلحين سنيين- إضافة إلى الكمين الذي نصبته قوات شيعية تابعة لمقتدى الصدر.
غير أن المؤكد أن الوضع في العراق، لا يمكن اختزاله في التعهد الأميركي وحده، والالتزام بالموعد المضروب لتسليم السلطة للعراقيين. فالمهارات الأميركية نفسها في محك اختبار عملي هناك. وليست القدرة على إظهار الانضباط والنظام ووضوح الهدف، بأقل أهمية عن إظهار العزم العسكري بأية درجة من الدرجات. لا شك أيضا أن تهدئة بعض المناطق الواقعة في المثلث السني مثل الفلوجة وغيرها، تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لعملية نقل السلطة للعراقيين وتفكيك سلطة التحالف الدولي القائمة في بغداد بحلول الثلاثين من يونيو. فالمقاتلون السنيون هناك، لم يسلموا بعد بحقيقة أنهم خسروا الحرب، وبالتالي لا يزال الشعور عندهم طاغيا بأن لهم الحق في قهر الآخرين ومواصلة نهجهم السابق في التنكيل ببقية فئا