لا شك أن للتغيير المفاجئ الذي حدث للتكتيكات العسكرية الأميركية المتبعة في العراق، علاوة على الارتفاع الملحوظ في عدد القتلى بين الجنود والمدنيين في العراق، تأثيرهما الكبير والصادم في العراق نفسه، إضافة إلى الرأي العام الأميركي. مقابل ذلك، فإن الحديث الذي ألقى به الرئيس جورج بوش ليلة الثلاثاء الماضي، لم يكن له أثر يذكر في التخفيف من حدة هذه الصدمة. وعلى رغم إيجابية حديثه وتأكيد عزمه على أن الوجود الأميركي في العراق، إنما هو وجود لقوة محررة وليست محتلة، وأن بلاده لا تنوي إطالة أمد بقائها العسكري في العراق، إلا أن هذه الإيجابية فقدت بريقها وأهميتها، بسبب الغموض الذي اكتنف حديثه حول الكيفية التي يمكن أن تترجم بها هذه النوايا عمليا بحلول الثلاثين من يونيو في العراق. ولا تزال أمام الإدارة فرصة متاحة لتجاوز هذا التحدي المتعاظم، غير أن ذلك يتطلب أن تتجاوز واشنطن معالجتها للسياسات الأمنية في الوقت الحالي في العراق.
فالواجب على سلطة التحالف المؤقتة في العراق- بقيادة بول بريمر- أن تكف عن لا واقعيتها ومطالبتها العراق بتوفير درجة من النقاء السياسي، يتعذر على أي شعب أو دولة في العالم أن يوفراها. على الصعيد العملي، فإن هذا يعني ضرورة نقل سلطات وصلاحيات كبيرة وأساسية إلى أيدي العراقيين بحلول الثلاثين من يونيو. والمعني بهؤلاء، التكنوقراط العراقيين الأكثر طواعية وقدرة على تحقيق المطالب الأميركية في العراق. ومن نافل القول الحديث عن عدم وجود أي مبرر أخلاقي أو سياسي لوجود أجندة أميركية خفية، أو للاحتفاظ بأي قدر من السلطات في يد الأميركيين أو قوات التحالف الدولي، من وراء ظهر حكومة شكلية تقدم كواجهة خادعة لنهاية الاحتلال العسكري الماثل الآن في العراق.
كما يتعين على كل من سلطة التحالف المؤقتة وواشنطن، أن تدركا أن المليشيات العسكرية العراقية، ليست متساوية في المواقف والأهداف، وأنها لا تمثل جميعها رمزا وتجسيدا للشر والعدوان. فهناك مليشيات وقوات أمنية لديها كامل الاستعداد للتعاون بل والقتال، ضد من تبقى من عناصر حزب البعث وحلفائهم من عصابات المقاتلين الأجانب والوافدين على البلاد، علاوة على الكتائب الشيعية التي ألهبت العديد من المدن العراقية بنيران العنف والمواجهات المسلحة خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. وهناك مجموعات وتشكيلات مسلحة أخرى، مثل مليشيات البشمركة الكردية، ومقاتلي الاتفاق الوطني العراقي، والمؤتمر الوطني العراقي، وغيرها من التشكيلات العسكرية التابعة لمختلف القوى السياسية الأخرى، وقد قللت من دورها وأهميتها الأمنية، السياسات التي اتبعتها سلطة التحالف المؤقتة. والذي حدث هو أن هذه السياسات، قد عمدت إلى تهميش القوى ذات الرؤية السياسية للمستقبل العراقي، بدلا من إعطائها دورا في الدفاع عن مستقبل العراق وأمنه، جنبا إلى جنب مع القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي. وقد انهارت بنية هذه السياسات والاستراتيجيات بالفعل، مع الحصار العسكري الذي فرضته مؤخرا سلطة التحالف المؤقتة، على مدينة الفلوجة، واندلاع المعارك التي أشعلتها الكتائب الشيعية. نتيجة لذلك، فقد اضطر العديد من أفراد الشرطة والأمن العراقيين إلى التخلي عن وظائفهم في تلك الوحدات.
على عكس ذلك، فقد أبلت الكتيبة العراقية رقم 36 بلاءً حسنا في الفلوجة، علما بأنها تعمل تحت قيادة القوات الأميركية هناك. طارت أخبار هذا التعاون الفاعل إلى بغداد، وذاع صيته إثر الإشادة التي تلقتها الكتيبة من قبل الفريق ريكاردو سانشيز خلال اجتماع للسلطة المؤقتة، عقد في العاصمة بغداد يوم الاثنين الماضي الموافق الثاني عشر من الشهر الجاري. من جانبه تساءل جلال الدين طالباني: هل لنا أن ننشئ المزيد من الوحدات والكتائب الشبيهة بالكتيبة 36؟ يذكر أن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده جلال الدين طالباني، قد انضم إلى منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وغيره كالتنظيمات العربية الأخرى، لتسهم هذه التنظيمات مجتمعة بحوالي 700 جندي من أفراد الكتيبة رقم 36 المشار إليها أعلاه. ولكن ماذا كان رد بول بريمر على الاقتراح الذي تقدم به طالباني بصدد إنشاء المزيد من الوحدات العسكرية على غرار الكتيبة 36؟ على حد إفادة بعض الحضور في الاجتماع، فقد رفض بريمر على الفور ذلك الاقتراح، بحجة أن انضمام المليشيات الحزبية للقوات العسكرية في العراق، سوف يؤدي إلى تسييس الجيش، وهو أمر يجب تفاديه. عن مثل هذا الاعتراض ماذا ستقول قوات المارينز الأميركية، وهي المكتوية بنار الحرب، وهي التي خسرت من صفوفها الأعداد الأكبر من ضحايا الحرب وقتلاها؟ ربما سيكون للجنرال جون أبي زيد- قائد العمليات العسكرية في العراق- رأي آخر في المستقبل في هذا الخصوص، سيما بعد لقائه يوم الثلاثاء الماضي، بعدد من القادة السياسيين العراقيين الذين أسهمت أحزابهم وتنظيماتهم بجنود ومقاتلين في الكتيبة رقم 36.
لا خلاف على أن نشر قوات المارينز في البؤر والمناطق الأكثر سخونة في العراق، قد تم بناءً عل