مر ما يقرب من تسع سنوات على حرب أميركا في أفغانستان التي شنتها رداً على الهجوم المدمر الذي دبره ضدها تنظيم "القاعدة" في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو ما يعني أنها قد أصبحت أطول حرب في التاريخ الأميركي. وأكثر من ذلك في الشهور الأخيرة ترسخت فكرة متشائمة مؤداها أن تلك الحرب ربما تكون سائرة نحو الخسارة. وليس هناك شك في أن الحرب في أفغانستان تمضي على نحو سيئ. فالمواجهات تزداد صعوبة والخسائر تزداد كذلك. ففي شهر يونيو فقط، زاد عدد خسائر قوات الحلفاء عن 100 جندي، وهو أكبر عدد من الخسائر في أي شهر منذ أن بدأت الحرب. والرأي العام تحول في معظمه ضد الحرب، كما أن بعض حلفاء أميركا بدأوا يتهربون من المسؤولية، والناس في كل مكان يريدون معرفة ما هي القضية التي يضحي هؤلاء الشباب بحياتهم من أجلها. وقد حدثت نقطة التحول في تلك الحرب عندما حاولت قوات الحلفاء انتزاع بلدة "مرجة" من قبضة "طالبان" لكسب عقول وقلوب السكان من خلال توفير نمط من الحكم في المدينة أفضل من ذلك الذي كانت تمارسه "طالبان". ولكن هذا الطموح مني بالخسارة. فما يحدث في الوقت الراهن هو أن مقاتلي "طالبان" يتسللون ليلا إلى المدينة ويقتلون كل من تعاون مع قوات التحالف، كما أن السيطرة الحكومية على الجزء الأعظم من المدينة باتت غير قائمة. وعلى ما يبدو فإن الصعوبات التي اكتنفت حملة "مرجة" قد أقنعت الأميركيين بتأجيل الهدف الأكثر طموحاً الخاص بطرد "طالبان" من قندهار ثاني أكبر المدن الأفغانية، وأحد معاقل "طالبان" المشهورة. والفشل في "مرجة" يؤشر على أن أية محاولة لإخضاع قندهار ستكون ضرباً من المجازفة غير المحسوبة. وعلى الورق تبدو قوات التحالف الذي يقوده الأميركيون، والذي يضم قوات 46 دولة في غاية القوة، حيث تتمتع بسيطرة غير محدودة وغير قابلة للتحدي من أي قوة أخرى. وعلى الأرض قامت تلك القوات بنشر 100 ألف جندي على الأقل، وهناك المزيد سيصلون في شهر أغسطس المقبل. وعلاوة على ذلك، ففي مقدور الحكومة الأفغانية في الوقت الراهن استدعاء ما يقرب من 200 ألف جندي مقاتل وشرطي، يمكن من خلال التدريب المكثف أن يتحولوا إلى قوة فعالة. وفي المقابل نجد أن عدد مقاتلي "طالبان"، لا يزيد عن 30 ألف مقاتل. ولكن الفارق بينهم وبين القوات الأجنبية وقوات الجيش الأفغاني النظامي، هو أنهم يحظون بإمكانية الذوبان وسط السكان المحليين، وهو ما يعني أنه يمكنهم الاعتماد على تكتيكات التمرد. لقد ورث أوباما حربين عن سلفه بوش وهما حربا العراق وأفغانستان. ومنذ بداية توليه الحكم كان أوباما معارضاً لحرب العراق، ومصمماً على سحب القوات الأميركية منها.. ولكن ذلك لم ينطبق على حرب أفغانستان التي وصفها بـ" الحرب الضرورية". وربما كان ذلك خطأً منه.. فبأي معنى تعتبر هذه الحرب"ضرورية"؟ وما هي المصالح الحيوية الأميركية المعرضة للخطر في ذلك البلد؟ في ديسمبر 2009، أعلن أوباما أنه سيرسل 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وهو عدد أقل قليلا مما كان القائد السابق للقوات الأميركية ماكريستال يريده، ولكنه مثل زيادة ذات قيمة، ما في ذلك شك. ومع هذا، أعلن أوباما في الوقت نفسه أنه سيبدأ في سحب القوات الأميركية من هناك اعتباراً من يوليو 2011. وفي عبارة دالة بدت وكأنها مؤشراً على النية في الحد من الوجود الأميركي في أفغانستان أضاف أوباما "إن الأمة التي أريد بناءها هي أمتنا نحن"! والحال أن أوباما يصطرع في الوقت الراهن مع معضلة عويصة: هل يبدأ في تقليص عديد قواته في يوليو من العام القادم كما وعد.. أم يعمل على إعداد خطط للبقاء في ذلك البلد إلى أجل غير محدد. وقد أكد أوباما، ونائبه "بايدن" على أن الهدف النهائي لأميركا هو تسليم الأمن -وبالتالي مسؤولية الحرب ضد طالبان- إلى القوات الأفغانية، وأن انسحاب الجيش الأميركي من ذلك البلد سيتم وفقاً للتطورات على الأرض. وليس هناك شك كبير في أن الناخبين "الديمقراطيين" في الولايات المتحدة يريدون عودة القوات الأميركية في أفغانستان إلى الوطن في أسرع وقت ممكن. ولكن "الجمهوريين" يعارضون ذلك ويقولون إن تاريخ يوليو 2011 الذي حدده أوباما تاريخ مصطنع وغير عملي، ويجب التخلي عنه بالتالي. والسؤال: هل تريد أميركا وجوداً عسكريّاً دائماً في أفغانستان، أم أن العكس تماماً هو الصحيح، أي أن تعهدها بالانسحاب الكامل في حد ذاته يعد أمراً ضروريّاً لتحقيق تسوية هناك؟ ويقودنا هذا إلى سؤال آخر عن أهداف أميركا من وراء هذه الحرب: هل هدفها الرئيسي هو تدمير "القاعدة"؟ معظم الخبراء يقولون إن العدد المتبقي من أفراد التنظيم في أفغانستان ضئيل للغاية ولا يؤخذ في الحسبان. صحيح أن هناك جماعتين متمردتين واحدة يقودها "جلال حقاني" والأخرى يقودها "قلب الدين حكمتيار" لديهما صلات بـ"القاعدة"، ولكن الجماعتين تعملان من ملاذات تقع عبر الحدود مع باكستان، وبالتالي فهما بعيدتان عن منال قوات التحالف. هل هدف الأميركيين هو هزيمة "طالبان"؟ في خطابه الأول بعد توليه قياده القوات الأميركية بدلاً من "ماكريستال" قال "بترايوس": "إننا منخرطون في هذه الحرب من أجل كسبها".. ولكن هل يعد هذا في حد ذاته هدفاً واقعيّاً لحرب؟ عند استجوابه أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي أواخر الشهر الماضي قال "بترايوس": "إن ما يحدث في أفغانستان عبارة عن اختبار للإرادات... ويجب على العدو أن يعرف أن لدينا إرادة الغلبة والفوز". ولكن على ما يبدو أن "بترايوس" عندما قال ذلك لم يكن قد نظر في حقيقة أن هزيمة "طالبان" قد تتطلب إخضاع قبائل "البشتون" القوية التي تستمد منها الحركة معظم مجنديها، وأن هذا الأمر يستغرق سنوات وسنوات -هذا إذا ما افترضنا أنه هدف قابل للإنجاز من الأساس. أما إذا كان هدف أميركا هو تسليم حكم أفغانستان لحكومة كرزاي، فإن أوباما مطالب في هذه الحالة بالتركيز على نحو محدد على التفاوض مع "طالبان". وهو ما يريده كرزاي على ما يبدو، بدلا من خوض المزيد من المعارك معها. وحكومة كرزاي توصف غالباً بأنها "فاسدة"، كما يقال إن أخاه غير الشقيق "أحمد والي كرزاي" يدير إمبراطورية ذات طابع انتهازي عنيف في قندهار، تقوم بأنشطة تشمل تهريب المخدرات، ولها جيش يتكون من آلاف من المسلحين. فهل يجب أن يكون أي من هذا موضع اهتمام وقلق من جانب التحالف؟ إذا ما كان كرزاي يريد التوصل إلى تسوية مع "طالبان"، يجب تشجيعه على ذلك بالوتيرة التي تناسبه، وبالشروط التي يريدها.