بأغلبية 335 صوتاً مقابل صوت واحد، وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية الأسبوع الماضي، في قراءة أولية على مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب(البرقع) في الأماكن العامة مثل الشوارع، والمحال، والمكاتب الحكومية والمستشفيات. وقد قاطع الاشتراكيون، والشيوعيون، والخضر، التصويت على مشروع القرار المذكور، في حين وصفت وزيرة العدل، "ميشيل أليوت - ماري"، التي قدمت مشروع القرار نتيجة التصويت على القرار بأنها تمثل انتصاراً للديمقراطية ولقيم الجمهورية الفرنسية، ومبادئ العلمانية. ومن ضمن المواد التي احتوى عليها مشروع القانون المذكور فرض غرامة مقدارها 150 يورو على النساء اللائي يرتدين النقاب في الأماكن العامة، أو الخضوع بدلاً من ذلك لدورة لتدريس أصول المواطنة. أما إذا ثبت أن شخصاً ما قد قام بإجبار امرأة على ارتداء النقاب، فإن مثل هذا الشخص يمكن أن يتعرض لغرامة تصل إلى 30 ألف يورو إضافة إلى السجن لمدة عام. وأمام مشروع القانون المذكور طريق طويل، قبل أن يتحول إلى قانون معتمد. حيث يجب أن تتم الموافقة عليه أولًا من قبل مجلس الشيوخ في سبتمبر المقبل، ثم يعرض بعد ذلك على المحكمة الدستورية الفرنسية للموافقة عليه - وهو أمر مفروغ منه في كافة الأحوال. في مارس الماضي، قامت هيئة قضائية فرنسية أخرى هي(مجلس الدولة) - مؤسسة فرنسية قديمة يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، كانت مهمتها الأساسية تقديم النصح والمشورة للحكومة الفرنسية في الحالات التي تحتاج فيها إلى مثل تلك المشورة - برفع تقرير إلى رئيس الوزراء، قالت فيه إن "فرض حظر عام وكلي" على ارتداء النقاب يمكن أن يواجه تحديات قانونية، بسبب المواد التي يحتوي عليها الدستور الفرنسي ذاته، وتلك التي تحتوي عليها "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية". على الرغم من ذلك وافق "مجلس الدولة" الفرنسي على أنه يجوز في ظروف معينة، ولأسباب تتعلق بجوانب أمنية، ومكافحة الغش، الإصرار على ضرورة رفع النقاب عن الوجه للتأكد من الهوية. وكان موضوع ارتداء النقاب قد أثار جدلاً واسع النطاق في فرنسا، فهؤلاء الذين يفضلون الحظر الشامل للنقاب، وهم عادة من "اليمين" السياسي، والناشطين في مجال الدفاع عن حقوق المرأة يقدمون أسباباً أربعة لموقفهم هذا هي: إن ارتداء النقاب الكامل يمثل مشكلات أمنية. وأنه يقلل من قيمة المرأة من خلال حرمانها من حقوقها، وإنه يمثل إهانة لقيم الجمهورية الفرنسية. كما يمثل نموذجاً للتطرف الإسلامي الذي لا مكان له في مجتمع مثل المجتمع الفرنسي العلماني. من الناحية الأخرى، نجد أن الذين يعارضون التشريع المقترح، يرون أن فرض حظر على ارتداء الحجاب يمثل اعتداء على حرية المرأة في الاختيار، وقيداً على ضميرها، وأنه سيجعل تقاليد فرنسا العريقة في التسامح الديني مجرد حبر على ورق، كما يعد استسلاماً لتيارات العنصرية وكراهية الأجانب السائدة لدى قطاعات من الفرنسيين، ولا يمثل سوى محاولة فجة من جانب ساركوزي وحزبه (الاتحاد من أجل حركة شعبية) للحصول على أصوات أنصار حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، والذي حقق خلال الآونة الأخيرة مكاسب ذات شأن في الانتخابات المحلية. في جميع الأحوال، يثير مشروع القانون هذا ضجة كبيرة على شيء تافه، وغير جدير بالذكر في الأساس لأن عدد النساء اللائي يرتدين الحجاب في فرنسا، يتراوح حسب التقديرات مابين 400 إلى 2000 امرأة من إجمالي تعداد المسلمين في فرنسا والذي يصل إلى خمسة ملايين. النقد الموضوعي والجوهري في الحقيقة الموجه للحظر المقترح، أنه يصرف الاهتمام عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المجتمع الفرنسي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التمييز الذي يمُارس ضد المهاجرين، وخصوصاً هؤلاء القادمين من شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء في مجالات الإسكان، والوظائف والتقدم الاجتماعي على وجه العموم. والضواحي الفرنسية البعيدة التي يتركز بها هؤلاء المهاجرون، هي أكثر الأماكن التي يمكن أن نرى فيها بوضوح مظاهر هذا التمييز، وهي أيضاً التي تشهد معظم الاحتجاجات والمظاهرات المتكررة، التي يقوم بها سكانها ضد السلطات الفرنسية، والتي تتخذ أشكالًا عنيفة تشمل إحراق السيارات والمحلات وغير ذلك من قبل الشباب الذي يعاني من البطالة. ويتراوح معدل البطالة في هذه الضواحي ما بين 20 إلى 40 في المئة. بيد أنه يتوجب القول أيضاً إن فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تمارس هذا التمييز، فالحقيقة هي أن سكان أوروبا الأصليين، بشكل عام، لم يفهموا بشكل كامل، أو لم يقبلوا بعد أن المجتمع في المستقبل سيضم خليطاً من الأعراق، وهو ما بدأنا نرى ملامح له في المجتمعات الأوروبية العديدة بسبب الهجرة على نطاق واسع، وحركة السكان من قارة إلى أخرى. الثابت الآن أنه لم يعد ممكناً إعادة عقارب الساعة للوراء، مهماً بلغ ارتفاع صوت، ولهجة السياسيين الشعبويين وصخب مطالبهم. وفي رأيي أن الشيء المطلوب بدلًا من فرض حظر قانوني على النقاب هو توجيه استثمارات ضخمة من قبل الحكومة الفرنسية نحو توفير الوظائف، والإسكان، والبنية التحتية، والتعليم، في المناطق المحرومة من فرنسا، لتوفير الفرصة للشباب من الجيل الثاني والجيل الثالث للاندماج بشكل كامل في المجتمع الفرنسي. فالتعليم على وجه الخصوص، هو الوسيلة الأساسية للإندماج في المجتمع والترقي في صفوفه. ومتى ما توافرت الفرص التعليمية على نطاق واسع، فلن يتبقى بعد ذلك سوى شريحة محدودة للغاية من النساء المسلمات شديدات التقوى، هي فقط التي ستكون راغبة في تغطية نفسها من الرأس للقدم اتقاء لنظرات الرجال في الأماكن العامة. وإذا ما أردن ذلك فهذه حريتهن الشخصية. وحتى يتم فهم هذه النقطة على نطاق أوسع، يجب على المجتمعات الغربية أن تكون أكثر تسامحاً وأكثر تقبلاً للتنوع الاجتماعي - سواء في مجالات اللباس أو في مجالات العقائد. أما الإصرار على حظر النقاب في جميع الأحوال، فلن يؤدي سوى إلى تعميق سوء الفهم من قبل الجانبين، وإلى عدم التجانس المجتمعي وإلى الإقصاء، والتهميش، وفي الأخير إلى العنف.