لم نعد نسمع شيئاً في الفترة الأخيرة من هؤلاء الناس الذين كانوا يقولون إن لجوء إدارة أوباما إلى محاكمة الإرهابيين في محاكم مدنية يعرض أمن أميركا للخطر ويجعلها منكشفة أمام الأعداء. يرجع ذلك ربما لأن خطاب تلك الفئة من الناس قد تعرض لضربة في الصميم بسبب ذلك الزخم من الاعترافات من قبل طائفة من كبار الإرهابيين، تشمل على سبيل المثال لا الحصر: -"فيصل شاهزاد" الذي اعترف بالتهمة المنسوبة إليه، وهي محاولة تفجير سيارة دفع رباعي محملة بالمتفجرات في "ميدان تايمز سكوير" في إطار مؤامرة مدعومة من قبل طالبان باكستان، كما تبين من التحقيقات. -"ديفيد هادلي" الذي اعترف في مارس الماضي أنه قد ساعد في التخطيط للهجمات الإرهابية المدمرة على مدينة مومباي الهندية عام 2008، وشارك في التخطيط لزرع قنبلة في مقر صحيفة دانماركية. - "نجيب الله زازي" الذي اعترف في فبراير الماضي بالاشتراك في مؤامرة لتنفيذ تفجير انتحاري في نظام مترو أنفاق نيويورك بدعم من تنظيم "القاعدة". هؤلاء جميعاً اعترفوا بالتهم الموجهة إليهم، في محاكم فيدرالية مدنية، وليس في محاكم عسكرية. والثلاثة يواجهون احتمال التعرض لعقوبة السجن مدى الحياة في سجون فيدرالية دون أن ينطبق عليهم شرط الإفراج بعد قضاء نصف المدة إذا ما أحسنوا سلوكهم خلالها .علاوة على ذلك يتعاون هؤلاء في الوقت الراهن مع المحاكم الفيدرالية في جميع الجوانب المتعلقة بقضاياهم. في محاكمة أخرى تمت هذا الشهر، قدم مسؤولو النيابة العامة في بروكلين لائحة اتهام ضد خمسة رجال متهمين بالمشاركة في مؤامرة لشن هجمات على أهداف في بريطانيا والولايات المتحدة ـ تشمل مترو أنفاق نيويورك ـ ويعتقد أن إعداد تلك اللائحة قد استند - على الأقل في جزء منه- الى المعلومات التي قدمها"زازي" والمتهمون الآخرون في القضية. إذن يجب التوقف عن الحديث حول أن المحاكم المدنية الفيدرالية ليست مناسبة، وليست كفؤة لإجراء محاكمات للمتهمين في قضايا الإرهاب. وهذه القضايا ليست استثناء من القاعدة. ففي الحقيقة أنها الأخيرة في سلسلة طويلة من أحكام الإدانة والمحاكمات الناجحة للمتهمين في قضايا الإرهاب، والتي تبرز بشكل واضح قدرة نظامنا الجنائي الفيدرالي غير المحدودة، على انتزاع المعلومات ومحاكمة ومقاضاة المتهمين بالإرهاب، وإصدار أحكام "طويلة بالسجن ضدهم تتفق مع جسامة الجرائم التي يرتكبونها. علاوة على ذلك نجد أن الأحصائيات المقدمة من "شعبة الأمن الوطني" بوزارة العدل، تدعو للإعجاب في الحقيقة، وهي كالتالي: -في منتصف مارس من هذا العام تم الانتهاء من محاكمة وإدانة 403 من المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في محاكم مدنية فيدرالية، وذلك منذ وقوع الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001. من بين هؤلاء تمت محاكمة وإدانة 159 في جرائم تقع ضمن "الفئة الأولى،" والتي تشمل جرائم انتهاك القوانين الفيدرالية المرتبطة ارتباطا مباشراً بالإرهاب الدولي. - أما المتبقون وعددهم 244 فقد تمت محاكمتهم في جرائم من "الفئة الثانية" والتي تشمل ارتكاب مخالفات، تتراوح ما بين الغش والنصب، وعدم الالتزام بقوانين الهجرة، وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، وتهريب والاتجار بالمخدرات، وغيرها من التهم والمخالفات المرتبطة بالإرهاب الدولي. - وهناك اثنا عشر تقريباً من المدانين بقضايا إرهابية، صدرت ضدهم أحكام بالسجن مدى الحياة كان من بينهم متهم بلغت جملة الأحكام الصادرة ضده 155 عاما، في حين بلغت الأحكام الصادرة ضد 18 آخرين من هؤلاء المتهمين 20 عاما فما فوق. متوسط مدد السجن الصادرة ضد المتهمين بالإرهاب أو المرتبطين به على أي وجه من الوجوه، بلغت خلال المدة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر وحتى عام 2009 19.7 عام، وفقا للإحصائيات التي أعدها "مركز القانون والأمن" في كلية الحقوق بجامعة نيويورك. علما بأن أخطر المجرمين من بين هؤلاء، أودعوا سجوناً تطبق فيها إجراءات أمنية قصوى وتُدار من قبل مصلحة السجون الأميركية. بالمقارنة بهذه الإنجازات للمحاكم الفيدرالية المدنية، ما الذي أنجزته المحاكم العسكرية خلال نفس الفترة الزمنية؟ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تتم سوى محاكمة 4 متهمين فقط كانوا من بين المعتقلين في "خليج جوانتانامو" منهم اثنان تلقيا أحكاماً خفيفة، وهما الآن مطلقا السراح. ليس معنى هذا القول، إنه ليست هناك حالات تكون فيه المحاكم العسكرية هي الخيار الأفضل منها على سبيل المثال تلك التي تضمنت محاكمة أشخاص متهمين بالتخطيط لشن هجمات ضد المنشآت والمرافق العسكرية الأميركية على وجه التحديد. لكن النتائج هي الشيء المهم، والإحصائيات التي تميل بشدة في صالح المحاكم المدنية تعني أن المحاكم العسكرية يجب أن تكون هي الاستثناء وليست القاعدة. وفي جميع الأحوال، يجب أن يكون القرار الذي يحدد المحاكمة التي ستنظر القضية وقفا على الرئيس الأميركي وحده دون غيره، على أن يكون تحديده لنوع المحاكمة قائما على الحقائق، وليس على مقتضيات الخطاب السياسي السائد في المرحلة التي يتخذ فيها مثل هذا القرار. إن محاكمنا المدنية الفيدرالية تتمتع بسجل لا نظير له في تقديم المتهمين في قضايا إرهابية للمحاكمة، وجمع المعلومات المتعلقة بهم، وإصدار الحكم المناسب عليهم، واستئصال خطرهم للأبد. ديان فينشتاين عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم .سي.تي. إنترناشيونال"