أدى فشل الجهود التي بذلتها إدارة أوباما على مدى عامين كاملين لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالجلوس على مائدة المفاوضات، إلى حجب الضوء عن مقاربة فلسطينية ثورية لتكوين الدولة وتحقيق السلام مع إسرائيل، حققت نجاحاً مشهوداً. في شهر سبتمبر الماضي وبينما كان أوباما يستضيف نتنياهو، وعباس في البيت الأبيض، أصدر فياض بياناً مقتضباً مصاغاً بلغة لا توحي بما ينطوي عليه من أهمية، يعلن من خلاله بداية العد التنازلي للإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة خلال عام، ومعدداً فيه الخطوات العملية التي يجب القيام بها حتى تصبح تلك الدولة حية وقادرة على العمل بشكل كامل. وهذا الجهد الذي يبدأ من القاعدة وينتهي للقمة، يعكس شيئاً، لا يمكن بحال وصفه بأنه أقل من مقاربة ثورية جديدة لإقامة دولة فلسطينية. لما يقرب من قرن من الزمان، كان الكفاح المسلح هو الشعار الرئيسي الذي ترفعه الحركة الوطنية الفلسطينية دوماً، وذلك قبل أن يتم استبداله بخيار مفاوضات السلام بعد اتفاقيات أوسلو في العام 1993، على الرغم من أن ذلك الخيار، لم يعنْ أبداً أن العنف والإرهاب قد جري التخلي عنهما تماماً. والمقاربة الثورية الجديدة التي طرحها فياض تعني أن هناك طريقاً ثالثاً، أو صيغة براجماتية للغاية، قد ظهرت في سياق الحركة الوطنية الفلسطينية. استراتيجية فياض ببساطة تتمحور حول الاعتماد على النفس، وتمكينها، وتركيزه الرئيسي في تلك الاستراتيجية ينصب على الحكم الرشيد، والفرص الاقتصادية، وإقرار القانون والنظام للفلسطينيين، وبالتالي للإسرائيليين وهو ما يعني إزالة أي حجج قد تستند إليها إسرائيل في إطالة أمد احتلالها للأراضي الفلسطينية. والـ"فياضية" ترمي إلى نبذ كافة أشكال العنف، وتغيير مدركات الجميع بشأن ما هو ممكن وما هو غير ممكن في مجرى الصراع. منذ أن تولى فياض منصبه عام 2007، تمكن الاقتصاد الفلسطيني من الإقلاع. فأرقام صندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدل النمو في الضفة الغربية قد وصل إلى 8.5 عام 2009 قبل أن يزداد تدريجياً ليصل إلى 11 في المئة في الجزء الأول من عام 2010. كما ظل الإنفاق الحكومي داخل حدود الميزانية ولم يتجاوزها، وأدى تطبيق قانون الضرائب إلى زيادة الحصيلة الضريبية للحكومة بمعدلات فاقت ما كان مقدراً. أما نسبة البطالة التي كانت قد وصلت إلى 20 في المئة عام 2008 ، فقد هبطت بمقدار الثلث تقريباً. كما تم بناء ما يزيد عن 120 مدرسة على مدى العامين الماضيين وإنشاء ورصف 1100 ميل من الطرق، وتأسيس شبكات مياه طولها 900 ميل. كان هدف فياض من كل ذلك تحسين حالة الفلسطينيين حتى يكونوا جاهزين للدولة التي يفترض أن تصبح حقيقة واقعة بحلول عام 2011؛ ويمكن القول إنه قد تمكن من تحقيق هذا الهدف من الناحية الاقتصادية والمؤسسية. منتقدو فياض يخشون من أن تكون المقاربة التي يتبعها ساذجة على الرغم من نبل الغاية التي يسعى إليها. فهم يرون أن إسرائيل لن تنهي احتلالها أبداً بما يسمح للفلسطينيين بتحقيق النجاح فيما يطمحون إليه. كما أن بعض الفلسطينيين يرون أن فياض يقوض، فيما يقوم به، جهد السلطة الفلسطينية الرامي لتأمين كافة أراضي الضفة الغربية والقدس، وأنه من خلال مشروعه ذلك، يوافق على إنشاء دولة تقوم فقط على ما هو أقل من مساحة 40 في المئة من الضفة الغربية والتي تقع في الوقت الراهن خارج دائرة السيطرة الإسرائيلية تاركاً غزة في قبضة "حماس" وبعيداً عن سيطرة السلطة. وهذا القلق لا يقوم على أساس في الحقيقة، لأن فياض أعلن مراراً وتكراراً أن دولة فلسطين التي ستقوم يجب أن تضم الضفة الغربية بكاملها، وقطاع غزة، والقدس الشرقية وأن يكون خط الهدنة الذي كان قائماً قبل حرب يونيو 1967 هو حدودها. من جانبهم يعارض قادة "حماس" الجهود التي يقوم بها فياض، طالما أنه يصر على وجود قوة أمنية واحدة يتم نشرها في شوارع الضفة الغربية - التابعة للسلطة الفلسطينية - من أجل منع العنف بكافة أشكاله. وفي رأينا أنه كلما ازدادت حكومة فياض قوة، وكلما نجحت في إنجاز العديد من النتائج على الأرض، كلما تحسن وضع السلطة الفلسطينية، وازدادت بالتالي قدرتها على إضعاف "حماس"، وتقليص ما تتمتع به من جاذبية لدى العديد من قطاعات الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن. هناك العديد من الأشياء التي يتعين إنجازها سواء بواسطة الفلسطينيين أو عن طريق إسرائيل، وبواسطة المجتمع الدولي كذلك من أجل تعزيز الجهد الذي يقوم به فياض. فإسرائيل يجب أن تتخلى عن موقفها المتذبذب تجاه فياض، وتعترف أمام الجميع بأن مبادرته تمثل فرصة حقيقية، وأنها لن تجد شريكاً للسلام أفضل منه ومن الرئيس الفلسطيني. ويعترف فياض أنه لا يسعى لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، ويعترف كذلك أن الشراكة الإسرائيلية ضرورية، إذا ما أُريد الوصول لنهاية ناجحة وسلمية للصراع العربي- الإسرائيلي. وإسرائيل يمكن أن تساعد في هذا المجال من خلال السماح لقوات الأمن بالتوسع لتتمكن من السيطرة على تلك المناطق من الضفة الغربية التي يحظر فيها تواجد السلطة الفلسطينية وقواتها في الوقت الراهن. إن ذلك كله سيثبت أن الدولة الفلسطينية ستكون إضافة مهمة، وليس تهديداً لإسرائيل، وذلك من خلال تحقيق الأمن الكامل في مختلف شوارع ومناطق الضفة الغربية والحيلولة دون سيطرة "حماس" على مقدرات الأمور. في الوقت نفسه يجب على منتقدي فياض التوقف عن إبداء استيائهم من النتائج التي تحققها حكومته على الأرض، وأن يتخلوا عن الطرق التي اتبعوها في الماضي وثبت فشلها مثل" الكفاح المسلح" أو مناشدة الدول الأخرى تقديم المساعدة على إقامة دولة. ويجب على المجتمع الدولي أن يمد يد المساعدة في هذا الجهد من خلال تكريس قدر أكبر من الاهتمام والتركيز على مقاربة فياض الثورية. بالطبع لن يتمكن فياض بمفرده من حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، لأن ذلك الصراع لن يحله سوى اتفاقية مقبولة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن الـ"فياضية" تساعد من دون شك على دعم ومساندة هذا الجهد، وإعداد الأرضية للسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية بطريقة لا تستطيع المفاوضات وحدها، ولا الكفاح المسلح وحده، القيام بها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روبرت إم. دانين زميل أول دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بـ"مجلس العلاقات الخارجية الأميركي" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"