ربما يعد كتاب "المجتمع العربي... الأصول والواقع"، لمؤلفه الدكتور ياسين غضبان، والذي نعرضه هنا بإيجاز شديد، عملاً موسوعياً تتداخل فيه مقاربات التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا، ويتجاور فيه التاريخ الثقافي والاجتماعي والديني مع الدراسة التحليلية لأكثر القضايا الهيكلية راهنية، وما يعتمل في الواقع العربي من توترات داخلية وصراعات خارجية. وحول أصول المجتمع العربي يتناول المؤلف أهم عناصر التقليد الذي تبناه المؤرخون والنسابون في تقسيم العرب إلى "عرب بائدة" (مثل عاد وثمود)، و"عرب باقية"، أي العرب الخلص (قحطان سكان اليمن)، والعرب المستعربة الذين تكونوا من ذرية إسماعيل عليه السلام. ثم يتطرق لـ"أرض العرب"، وهي الجزيرة العربية التي كانت موطنهم الأصلي، قبل أن يمتد وجودهم الجغرافي على الرقعة المعروفة لنا حالياً. وفيما يختلف علماء اللغة العربية حول تحديد أول من نطق بها، أهو من عرب قحطان أم هود عليه السلام ولد قحطان، يخلص المؤلف إلى أن اللغة العربية في صورتها الفصيحة الحالية كما تمثلها نصوص العصر الجاهلي، لم تصل إلينا إلا عبر مراحل طويلة من النمو والتطور. أما عن صفات العرب فنجده يدمج مجموعة من التصنيفات؛ فهم في النسب نوعان: عرب عدنان وعرب قحطان، وفي المصير: عرب بائدة وعرب باقية، وفي المكان: عرب الشمال وعرب الجنوب، وفي نحلة العيش: عرب البادية وعرب الحضر، وفي الزمن الثقافي: عرب الجاهلية وعرب الإسلام. وفي تناوله الأحوال السياسية والاجتماعية والدينية لعرب الجاهلية، يوضح أنها كانت غير مستقرة، إذ دالت الدول التي أقاموها في اليمن وفي كندة وفي نجد، وحتى التنظيمات التي أحدثها قصي بن كلاب في مكة خالطها بعض الخلل. كما كثرت الحروب بين العرب، خاصة حروب الفجار. ورغم التحالفات العربية الموجهة نحو الخارج لأول مرة في ذي قار، ورغم المحاولات التي شهدتها يثرب لقيام ممالك صغيرة عقب حروب الأوس والخزرج، فإن حرب ممالك بصرى والحيرة تحولت إلى حرب داخلية مدفوعة من الروم والفرس، بل بلغ الضعف بالعرب أن سعى الأحباش للاستيلاء على مكة. ويتطرق المؤلف بإسهاب إلى بنية المجتمع العربي الجاهلي، ونسقه القرابي، والدور السياسي للقبيلة في تلك الظروف المضطربة، وكيف كان يتم اتخاذ قرارات السلم والحرب، علاوة على الأحوال الاجتماعية مثل الزواج والأسرة والإرث، فضلاً عن نمط الإنتاج البدوي وتجارة القوافل ومراكز الحضر. ثم يبين المؤلف أثر البعثة النبوية على العرب، وكيف قلب الإسلام حياتهم رأساً على عقب، وحوّلهم من فرقة إلى وحدة، ومن همل بين الأمم إلى سادة للعالم. وفي هذا الإطار يخصص فصولاً مطولة لـ"رسالة الإسلام"، و"عقيدة الإسلام"، و"مبادئ الإسلام"، و"العرب والإسلام"، كما يستعرض علاقة العرب بالشعوب المجاورة، مثل الفرس والترك والقبط والبربر. ويلقي الضوء على دولة الإسلام، وعلى الخلافة وأسس الحكم الإسلامي، ثم الغزو الخارجي لعالم الإسلام، وسقوط الخلافة الإسلامية. وبعدئذ يخصص باباً لـ"المجتمع العربي الإسلامي"، متناولاً قيمه الأساسية، وعلاقاته الأسرية، وصلاته بالشعوب الأخرى، وانتشار اللغة العربية، وحب العرب، وظهور الشعوبية. وعن المجتمع العربي في التاريخ الحديث، يتعرض الكتاب لعلاقة العرب بالخلافة العثمانية، ومراحل الاتصال العربية التركية الأولى، ويغوص في خريطة المجتمع العربي تحت الدولة العثمانية المتأخرة، ويلاحظ أن التكون الحالي للمجتمع العربي إنما تبلور في تلك الفترة، أما أول فكرة عربية سياسية خلال العصر الحديث فقد ظهرت في الرسائل المتبادلة بين الحسين ومكماهون عام 1916، على شكل خريطة غير مرسومة كان يتصورها الحسين وتضم الجزيرة وبلاد الشام والعراق بحدودها الطبيعية. ومن قضايا الجذور ومشكلات الصيرورة، ينتقل المؤلف إلى مرحلة الاستعمار الأوروبي للعالم العربي، وحركات الاستقلال السياسي العربية، والتيارات الإصلاحية، والجامعة العربية، ثم يتناول موقع العالم العربي، واقتصادياته، وديمغرافيته، وأنظمته الاجتماعية، وأهم مشكلاته المعاصرة: التجزئة السياسية، التفكك الاقتصادي، الحروب الداخلية، الغزوات الخارجية، معضلات التعليم، هجرة العقول، الأمية، انحراف الأحداث، التفكك الأسري، والهجرة الداخلية. محمد ولد المنى الكتاب: المجتمع العربي... الأصول والواقع المؤلف: د. ياسين غضبان الناشر: دار الإعلام للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 2011