لا يخلو أي مجتمع من وجود مشكلة في ثناياه، من يزعم غير ذلك، فإنه يحيا في سماء الأحلام. ومجتمع الإمارات ليس استثناء من ذلك، لأنه يعيش واقعه كما الآخرون، فعندما يتم تكرار الحديث عن مشكلة في التركيبة السكانية، أو في عملية التوطين، أو أي قضية أخرى، فإن الحل الحقيقي بالتعمق في جذور أي مشكلة لمعالجة الأسباب قبل القفز إلى النتائج السلبية. فالمطالبة بعدم تناول أي مشكلة بصورة سطحية ولا تهويلية جزء من العلاج السليم لها، لأن المجتمعات قاطبة لا تخلو من الجديد في قضاياها، فضلاً عن المزايا التي تتغاير حين المقارنة مع الآخرين سواء في المشكلة المطروحة أو المستجدة. ومن هنا ينبغي التفريق بين مشكلة وأخرى سواء من حيث حجم تأثيرها أو وصولها إلى مصاف الظاهرة الاجتماعية التي هي بحاجة إلى تدخل أكثر من الجهة المعنية للبحث عن أنسب الحلول للتقليل من ضغوطها على سير المجتمع. فلو أخذنا مشكلة التركيبة السكانية والتوطين مثالين للاستدلال بهما، فإنه يجب التفرقة بين المشكلتين لما بينهما من تشابك يصعب معه فك إحداهما عن الأخرى. فالتركيبة السكانية بالدولة برزت منذ النشأة ولم تحدث فجأة، وذلك لأسباب تنموية في البداية، ولكن مع استمرارها تحولت إلى مشكلة اجتماعية بحاجة إلى المزيد من الجهود لتفادي آثارها على مستقبل النسيج الاجتماعي. أما التوطين وما يتعلق به من مشكلة البطالة، فهي أقرب إلى الوضع الطارئ، بمعنى أن مجتمع الإمارات لم يشك يوماً من مشكلة البحث عن عمل لا من قبل المتعلمين، فضلاً عن الأميين، فالكل كان بين يديه مما تيسر من عمل. إلا أن الأمور المجتمعية قد لا تمضي دائماً بالسهولة التي نتصورها، ولذا فقد أدركنا منذ قرابة عقد من الآن بأن "البطالة" أو أن الباحثين عن عمل بالدولة، قد وصلت أعدادهم الفعلية في خانة عشرات الألوف وهو أمر بحاجة إلى قوانين للتدخل السريع لوقف آثارها السلبية على مشاريع التنمية عندما تفقد عنصر المواطن في مجالاتها المختلفة سواء كان هذا معلماً مواطناً كما صرح وزير التربية والتعليم عن حاجته الماسة إلى 5000 عنصر مواطن لكي يغطي النقص الذي يواجه قطاع التعليم العام. فإذا عرف العدد الفعلي من قبل المعنيين فإن الآليات اللازمة لتوفير هذا النقص يجب أن تبرز على السطح منذ الإعلان عن هذا الرقم الصعب تحقيقه في سنة أو سنتين، وخاصة إذا علمنا من عميد كلية التربية بجامعة الإمارات بأنه منذ عشر سنوات لم ينضم إلى كلية التربية طالب واحد وفقاً لإحصاءات العام الماضي. وقد يقول البعض إن الاستقطاب من الخارج سهل، إلا أن الدخول على خط التركيبة السكانية هو الذي يظهر كيف أن بعض المشكلات بحاجة إلى حلول متكاملة، ومع التركيز على عمليات التنسيق الميدانية حتى لا نواجه مشاكل فرعية تشغلنا عن الأصل. ومن جانب آخر يجب ألا نهوِّل أيضاً من حجم أي مشكلة في المجتمع، حتى لا يتراجع الغيورون على المصلحة العامة عن طرح البدائل المتاحة والمبتكرة، وإلا فإن تراكم المشكلات على بعضها كفيل بأن يعطل الفكر عن الفعل. إننا بحاجة إلى التريث وعدم الولوج إلى تجريب الحلول الآنية فقط للتخفيف من حدة أي مشكلة، بل إن الحلول المعمقة والجذرية على المدى الطويل أفضل من الدخول إلى مختبرات المجتمع بشكل فوري لاستخراج الحلول السريعة التي قد تعيدنا مرة أخرى إلى التفكير القديم، أو استرجاع ما مضى لعلاج ما هو آت، وهنا قد تكمن مشكلة أخرى.