هل هناك ما يضمن أن الأمم المتحدة التي تركت العراق أساساً لن تقوم بالهرب عندما تتم مهاجمة موظفيها مرة أخرى·
تطالب الأمم المتحدة كشرط مسبق لمساعدتنا في العراق، بأن نقوم بتسليم (السيادة المبكرة) إلى حكومة عراقية مؤقتة، ثم نترك تلك الحكومة كي تقوم بدعوة الأمم المتحدة، للإشراف على انتقالها لمرحلة صياغة الدستور وإجراء الانتخابات. وأنا بدوري أحب أن أرى العراقيين وقد تم منحهم المزيد من السيطرة في أسرع وقت ممكن، وأن أرى الأمم المتحدة وقد أصبحت أكثر اشتباكا بالوضع في العراق. بيد أنني أرى في ذات الوقت أن الناس يقومون بتقليب تلك الفكرة على أوجهها المختلفة، دون أن يقوموا بالإجابة على بعض الأسئلة أولا. مثلا، هل سيؤدي قيام الولايات المتحدة بتسليم السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة إلى إيقاف الهجمات على القوات الأميركية، والشرطة العراقية، والأمم المتحدة وقادة مجلس الحكم العراقي المؤقت، حقا؟ أنا شخصيا أشك في ذلك لأن هؤلاء المهاجمين لا يريدون من العراقيين أن يحكموا أنفسهم، بل يريدون هم أن يحكموا العراقيين.ما السبب الذي يدعو هؤلاء المهاجمين إلى عدم الكشف أبدا عن أنفسهم وعن سياساتهم؟. لأنهم في معظمهم من البعثيين العنيدين الذين يريدون إعادة النظام القديم الذين تسيدوه، وسيقومون بقتل أي أحد يقف في طريقهم. هل هناك ما يضمن أن الأمم المتحدة التي تركت العراق أساسا، لن تقوم بالهرب مرة عندما تتم مهاجمة موظفيها مرة أخرى - وهو ما سيحدث حتى بعد حصول العراقيين على السيادة؟. هل بوسع مجلس الحكم المؤقت الاتفاق الآن على من سيقود الحكومة المؤقتة؟ هل سيقوم الأوروبيون حقا بتوفير القوات ودفع المليارات من الدولارات من أجل العراق، إذا ما قامت الولايات المتحدة بتسليم مفاتيح السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة؟ وفي النهاية هل سيقوم الرأي العام الأميركي بناء على ذلك بالموافقة على بقاء بلاده مشتبكة مع الوضع في العراق إلى المدى الذي تدعو الحاجة إليه؟ إلى أن نتأكد من إمكانية الإجابة على تلك الأسئلة دون أن يخرج الوضع في العراق عن نطاق السيطرة، فإنني سأظل متمسكا ببقاء الوضع الحالي باعتباره أقل الخيارات سوءا. يرجع ذلك في جزء منه إلى أن السيادة الحقيقية تعني القدرة على إدارة الشؤون الذاتية، وأن الولايات المتحدة قد قامت بجهود لترسيخ ذلك على مستوى القاعدة الشعبية أكبر مما يظن معظم الناس.
تحدثت منذ أيام مع عالمة (أنثروبولوجيا) أميركية من أصل عراقي تدعى (أمل رسام) كانت تقود تلك الجهود الأميركية التي تواصلت منذ شهر إبريل الماضي عندما قام ضباط الجيش الأميركي والفريق العامل تحت قيادة (رسام) والتابع لمعهد (آر. تي. آي إنترناشيونال) البحثي (منظمة غير حكومية)، بزيارة لأحياء بغداد البالغ عددها 88 حيا. وخلال تلك الزيارات التقت (رسام) وفريقها مع الزعماء المحليين وساعدتهم، من خلال عملية تصويت غير رسمية، على تكوين 88 (مجلساً استشارياً مؤقتاً)· وبعد ذلك قام أعضاء تلك المجالس بانتخاب تسعة مجالس للمناطق، وقامت تلك المجالس التسعة بدورها بانتخاب مجلس مؤقت لإدارة مدينة (بغداد) مكون من 37 عضوا. وهكذا رأينا ولأول مرة في تاريخ العراق ، مجلسا للمدينة ذا قاعدة شعبية، ويضم في عضويته نساء، ويطالب بوضع الميزانيات، وتحديد الأولويات وتقرير من سيقوم بأعمال الشرطة في الأحياء ، ويجعل مديري المدينة مسؤولين أمامه.
وتم بالكيفية نفسها تأسيس مجالس بلدية في جميع مناطق العراق. وقامت فرق أميركية وبريطانية بتعليم المجالس العراقية كيفية عقد الاجتماعات، ووضع جداول العمل، وجمع الأصوات، وإجراء الاقتراعات. كما قامت تلك الفرق أيضا بتوفير الأموال الضرورية للجماعات النسائية، ولجميع أنواع منظمات المجتمع المدني الأخرى، التي يتسابق العراقيون حاليا على إنشائها. وعلى رغم أن تلك الفرق لم تقم بالكشف عن أسلحة دمار شامل، إلا أنها اكتشفت الكثير من الديمقراطيين العراقيين الواعدين. وفي معرض الحديث عن نشاطها قالت (رسام): (لقد عملت في بقاع عديدة من العالم، وإنه لأمر مرضي للغاية أن آتي إلى هنا، وأرى أننا قد بدأنا نحصل على بعض القادة الحقيقيين -من الرجال أو النساء- الذين برزوا على الساحة من صفوف القاعدة الشعبية... ولدينا امرأتان من أعضاء تلك المجالس،إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة محجبة،جعلناهما تذهبان إلى مؤتمر في مدينة الحلة (ترعاه الولايات المتحدة) منذ أيام ، وتقومان بالحديث علنا عن تجاربهما مع الديمقراطية الوليدة... وبعد حضور هذا المؤتمر جاءت هاتان السيدتان وقالتا لي إنهما تريدان الحديث إلى رئيس سلطة الاحتلال المؤقتة في العراق (بول بريمر) لمطالبته بتخصيص حصة للنساء في لجنة صياغة الدستور. وأنا من جانبي أقول لهاتين السيدتين قفا وقولا: (لقد ساعدتمونا حقا على الظهور، وعلى اكتساب الثقة بالنفس، ونحن الآن لا نريد أن نتوقف عند هذا الحد، وإنما نريد ضم النساء إلى لجنة صياغة الدستور)· هذا في رأيي هو بناء الديمقراطية الحق. وأنا لا أعتقد أنه بمقدور أحد الآ