ما مدى استعداد الوطن العربي لخوض المعركة الفكرية والعلمية في طور تطوير التعليم وجعل الفرد العربي مواكباً لثورة التكنولوجيا ولديه مهارة تحصيل التعليم العالي من خلال الإنترنت ومختلف سبل ووسائل التعليم عن بعد؟ ما نعانيه من جمود يعتري بعض العقول العاملة في قطاع التعليم العالي هو أحد معوقات التنمية في الوطن العربي، تلك العقول تسوق لمختلف المبررات لعدم الاعتراف أو اعتماد شهادات ومؤهلات التعليم عن بعد والساعات الدراسية المحولة من سنوات الخبرة والدورات التأهيلية لساعات دراسية معتمدة، فحتماً أن مخيلتهم التطويرية العقيمة لن توقف ثورة المعلومات وطبيعية الحياة العصرية السريعة. التعليم عن بعد ليس بظاهرة جديدة، ففي عام 1833 قامت صحيفة سويدية تدعى «تريسي ريتشي»، بتقديم دورة المراسلات ومن تلك البداية نما التعليم عن بعد، وهناك أهمية كبرى لتسخير الإنترنت لخدمة رفع المستوى التعليمي لمختلف الأسباب مثل التكلفة والمرونة في الوقت والمكان وإمكانية تساوي فرص الحصول على نفس جودة التعليم... وتعدد واختلاف الأنماط الشخصية والتعليمية للمتعلمين، أو اتباع أسلوب حياة أو مهنة معينة على سبيل المثال، مما يعيق الانخراط في الدراسة التقليدية. وتقدر التوقعات المستقبلية لسوق التعليم عن بعد بـ 107.3 مليار دولار أميركي بحلول عام 2015، ففي عام 2012 تم انضمام 3 ملايين طالب في برامج جامعية إلكترونية للحصول على مختلف الدرجات الجامعية في أميركا فقط من جامعات عريقة مثل جامعة هارفارد وستانفورد وبن ستيت ...الخ وذكرت شركة الأبحاث «أمبينت أنسايت» أنه في أميركا ما يقارب 12 مليون طالب ما بعد مرحلة الثانوية يقومون حالياً بدراسة كل أو بعض المواد الدراسية عن طريق التعليم الإلكتروني، وخلال السنوات الخمس القادمة سيصل المعدل إلى رقم غير مسبوق، ألا وهو 22 مليون طالب. قبول التعليم عن بعد سيأخذ مكانه الطبيعي في دول العالم الثالث كأمر اعتيادي لما هو متوقع من زيادة في انتشار الاتصالات ووسائل الإعلام على الإنترنت، كما أن هناك مفهوم متنامي من عدم أهمية الفواصل الجغرافية بين الشعوب في أذهان الأجيال القادمة، وسيكتسب المزيد من الناس خبرة أكبر في التعامل والحصول على أدوات التكنولوجيا الجديدة مع شعور طبيعي ومتزايد بسهولة المحادثة عبر الإنترنت والتعاون خلف قيود الزمان والمكان، وسيحل مفهوم الوطن الافتراضي والمواطن الدولي الإلكتروني بدلاً من مفاهيم العولمة. وهناك ثمة عامل آخر سيؤثر على التوسع وقبول التعليم عن بعد هو تغيير في المتعلمين، حيث يفترض أن يؤدي التقدم السريع لتكنولوجيا المعلومات وبرامج التواصل الاجتماعي الإلكترونية ووسائل الاتصالات والهواتف الذكية والكمبيوترات الشخصية التفاعلية في إعادة تشكيل أنماط التعلم والمتعلمين وآليات الحصول على المعلومات والمعارف وتخزينها وتحليلها واسترجاعها واستخدامها، وظهور ظاهرة المعلم الطالب والمعلم الافتراضي والمكتبة الذاتية، وستتم معالجة المعلومات بطريقة مختلفة جذرياً عن سابقاتها، وسينتج عنها أساليب تفكير مختلفة، وستحصل المعلومات بسرعة كبيرة وبمعالجة متوازية، متعددة المهام ضمن شبكة وبرمجة تخص المتعلم ولا تخص غيره لدعم خيارات التعليم الموجه مهنياً. ويبدو لي أنه في غضون الخمس عشرة سنة القادمة، سيتم تطوير نظريات التعلم عن بعد، وستربط بجودة التعليم. ولا استبعد أن تصمم مادة الدراسة عن طريق بنك معلومات ضخم في غاية الذكاء، من سيملكه سيكون بمثابة «بيل جيتس» المستقبل، وستطور المادة، ويتم تصميم نموذج التدريس حسب سمات التعلم، وميول وحاجة كل شخص بجانب المبادئ الرئيسية للمادة، التي تدرس وحيازة حقوق الملكية الفكرية للمواد التعليمية ستكون شيئاً من الماضي. وبفضل التكنولوجيا اليوم، سيكون هناك تغييرات لا يمكننا تخيلها في المستقبل، ولا بد من تعزيز نظرة المجتمع إلى التعليم عن بعد، وجعله ثقافة عامة للشعوب العربية من خلال تنفيذ استراتيجيات التغيير الفعال مع الدول المتقدمة والطلاب المحتملين، والأطراف المعنية الأخرى ووضع استراتيجيات لمواجهة مقاومة عالم التعلم عن بعد والتعليم الإلكتروني من خلال إيقاظ الحاجة إلى التغيير ومن ثم تقديم أدلة دامغة على ضرورة وأهمية التغيير وما هي الاستفادة التي سيجنيها المجتمع لدعم إمكانية التغيير الناجح وفي المرحلة النهائية يتم تأمين التغييرات الجديدة للحصول على التصميم التعليمي الأمثل باستخدام التكنولوجيا وتوفير المنتجات التعليمية بدعم كلي من صانعي السياسات العامة في الدول العربية وجعل أفضل الممارسات لبيئات التعلم عبر الإنترنت أولوية رئيسية في استراتيجيات تطوير التعليم وتشجيع البحث والتقدم العلمي. المعلومات الموجودة على الشبكة العنكبوتية العالمية تفتح إمكانية لاقتصاد صناعة معرفة أكثر فعالية لردم الفجوة الرقمية بين الشعوب وطبقات المجتمع المختلفة فالمكتبات العامة الإلكترونية جعلت التعلم في متناول أي شخص يعرف كيف يستخدم الموارد الإلكترونية وإتاحة المعلومات في متناول الناس بهذه السهولة والانسيابية يجعل تكلفة المعلومات تنخفض، في حين أن تكلفة الوصول إلى المعلومات مع مرور الزمن سترتفع وستكون بداية وانطلاقة عصر الفقر المعلوماتي والأمية الرقمية التي من المحتمل أن ترتفع في ربوع الوطن العربي الإلكترونية بالتخطيط الحالي ناهيك عن القوة الدافعة في القرن القادم المتمثلة في الشباب ومدى تعاملها معهم واستفادتها من المعلومات الإلكترونية ونقول للدول العربية إن دول فقيرة يصفها بعضنا بالتخلف مثل زنمبابوي أو بنجلاديش تملك جامعات تمنح شهادات جامعية على جميع المستويات باستخدام نظام التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد ونسأل القائمين على التعليم العالي في الوطن العربي لماذا معظمكم يرفض ولا يمنح ولا يعترف بهذا النظام من التعليم ؟ والجواب باختصار لأن الرافضين يعجزون عن وضع الحلول العملية لطبيعة الحياة السريعة وضرورة استغلال التكنولوجيا على أفضل وجه لتحسين المهارات وتعزيز التعليم العالي وجعله متاحاً للجميع فهم بدون أدنى شك عاجزون عن تلبية حاجة الشعوب العربية في جعل التعليم العالي للجميع باستخدام مختلف الوسائل وبتكاليف في متناول الجميع، وهنا تبرز ضرورة وجود بديل لتلك المؤسسات تكون بمثابة هيئات أو مجالس وطنية منفصلة ومستقلة عن التعليم العالي تعنى بالتصديق على شهادات وجامعات وكليات ومعاهد التعليم العالي، التي تمنح شهادات عن طريق التعلم عن بعد مثل التعليم الإلكتروني وكل أنواع التعليم غير التقليدي، فإن أبسط طريقة للتصديق على شهادات التعليم الإلكتروني هو بناء أو تأجير مقار دائمة لتأدية امتحانات ومناقشة بحوث التعليم الإلكتروني، وهذه طريقة سهلة تضمن أن لا يقوم شخص بالحلول محل آخر، وذلك بالتنسيق المشترك مع الجامعات المانحة لمثل تلك الشهادات... وهناك حلول عديدة ومتعددة مثل البصمة الإلكترونية البصرية وغيرها من الأساليب المتعددة لدمج التكنولوجيا الحديثة والمتطورة في مجال التعليم، وفي الاقتصاد العالمي القائم على التعليم والقوى العاملة الذكية المزودة بمهارات التعليم والتعلم والتدريب والتمرين المستمر.