وُصف خطاب تنصيب أوباما الثاني وخطابه لحالة الاتحاد بأنهما "فصلان في المسرحية ذاتها". والحال أنه من الصعب تخيل خطابين أكثر اختلافاً من حيث النوايا أو الطموح. ذلك أن خطاب التنصيب عكس أفكاراً وتوجهات تقدمية صريحة؛ هذا في حين طرح خطاب حالة الاتحاد مجموعة من المقترحات المختلفة التي يعتبر بعضها معاد التدوير (الإنفاق على البنى التحتية، وقانون المساواة في الأجور)، وبعضها قد يعتبر تافهاً ("بطاقات" القدرة على تحمل رسوم الجامعة، وبضعة "أقطاب صناعية")، ولكن معظمها يبدو عادياً ونموذجياً جداً. إن المشكلة الرئيسية في خطاب أوباما حول حالة الاتحاد لم تكن الحماسة المفرطة أو تجاوز الأهداف؛ بل كانت افتقاراً للجوهر والجدية. والواقع أن أوباما، بشكل عام، محق بخصوص عنصري أي اتفاق نهائي لتحقيق استقرار حالة الحكومة المالية -إصلاح ضريبي واسع يسد الثغرات، وإصلاح للبرامج الصحية الاجتماعية. وهكذا، نبّه أوباما على نحو صائب في خطابه إلى أنه إذا بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم، فإن "البرامج الاجتماعية ستشكل ضغطاً على الاستثمارات التي نحتاجها من أجل أطفالنا". ومع ذلك، راح ينفي الطابع الاستعجالي لخفض العجز وتبنى سياسات لا تعالج سوى الاحتياجات على المدى القصير. وهو ما علق عليه مستشار الرئيس كلينتون السابق ويليام جالستون بالقول: "يبدو أن أوباما قرر أنه ليس ثمة أي إمكانية لحل المشاكل المالية الكبرى بطريقة يجدها هو وحزبه مقبولة". والحال أن أوباما كان محقاً أيضاً في التعاطي مع الحاجة إلى "بناء سلالم جديدة للفرص داخل الطبقة الوسطى لكل من يرغب في تسلقها". كما أثار بعض المواضيع التي لا يمكن تجنبها: التعليم في وقت مبكر من الطفولة والتدريب المهني. غير أنه حتى الآن، ليست ثمة أي تفاصيل مرتبطة بهذه المقترحات يمكن أن تسمح بتقييم لجديتها وتكلفتها. والواقع أن مثل هذه الضبابية هي التي ميزت الخطاب كله. فأوباما لم يعد بالتصرف في حال رفض الكونجرس التحرك بخصوص موضوع تغير المناخ، بل اكتفى بالقول: "إنني سأوجه حكومتي باقتراح إجراءات تنفيذية". كما أنه لم يتعهد بفرض وتطبيق حقوق التصويت، وإنما اقترح "لجنة غير حزبية لتحسين التجربة الانتخابية في أميركا". وبدلًا من اقتراح خطط حقيقية، حدد "هدفاً جديداً لأميركا: تقليص الطاقة التي تهدر في منازلنا وشركاتنا إلى النصف" و"تحدياً حقيقياً لإعادة تصميم مدارس أميركا الثانوية"، فقال: "إننا سنعمل مع الزعماء المحليين من أجل تركيز الموارد على السلامة العامة"، مضيفاً "كما ستشرع إدارتي في العمل مع 20 من أكثر المدن تضرراً". غير أن التوجيهات الرئاسية مثل هذه -"ستشرع إدارتي في العمل مع"- تنطوي على تقليل من الجهار التنفيذي وتشير إلى عملية سياسية ضعيفة. وهي شيء كنتُ أصادفه من حين لآخر عندما كنت رئيساً لكتابة خطابات البيت الأبيض. فقد كان الخطاب يذهب إلى وزارة الطاقة: إنا في حاجة إلى اقتراحات. ثم تأتي الفكرة: "الليلة وجهتُ تعليمات لوزيري المحترم في الطاقة لتشكيل لجنة خاصة تناط بها مهمة دراسة عملية التعاون مع المسؤولين على صعيد الولايات والصعيد المحلي بقصد وضع هدف إعادة تصميم تجربة الطاقة الأميركية في غضون 10 سنوات". إن مثل هذه الأفكار هي منتوجات نموذجية للحكومة؛ ولكن إدراجها ضمن خطاب حالة الاتحاد هو مؤشر على التعب والإعياء الإيديولوجي. مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»