في صيف عام 1999 اختار بوش الإبن مناسبة أول خطاب يلقيه عن السياسة العامة في إطار حملته الانتخابية لإعلان رفضه التام للمبدأ «المدمر» القائل إنه «إذا ما قامت الحكومة فقط بالابتعاد عن طريقنا، فإن كل مشكلاتنا ستجد طريقها للحل». في ذلك الوقت كانت حملة بوش تسعى لتغيير الصورة النمطية السائدة عن الحزب «الجمهوري»، ونظراً لأن الحزب أصبح آنذاك أكثر انفتاحاً بسبب قضائه ثماني سنوات كاملة بعيداً عن الحكم، فإن بوش حصل على النفوذ اللازم من الحزب لإجراء التعديلات الأيديولوجية الضرورية. لم يكن ذلك غريباً على الحزب، لأن من طبائع المؤسسات القوية أن تقوم من حين لآخر بإجراء جردة حساب للحقائق الجديدة، وتعديل نفسها بناء على ذلك، وهذا تحديداً ما يحتاج إليه الحزب «الجمهوري» في الوقت الراهن. هناك أسباب لذلك يمكن إجمالها فيما يلي: من بين آخر ستة انتخابات رئاسية، انتهت أربعة منها لصالح المرشح «الديمقراطي» بمتوسط أصوات للمجمع الانتخابي بلغ 327 صوتاً لـ«الديمقراطيين» و211 صوتاً لـ«الجمهوريين»، وخلال العقدين اللذين سبقا ذلك أي من عام 1968 إلى عام 1988 كان «الجمهوريون» قد كسبوا خمسة انتخابات من بين ستة بمعدل أصوات مجمع انتخابي 417 صوتاً مقابل 113 صوتاً لـ«الديمقراطيين». وهذا الانقلاب المذهل في الحظوظ الانتخابية للحزب «الجمهوري» حدث لأسباب عديدة: التغيرات الديموغرافية، وانتهاء التفوق النسبي لسياسات الحزب «الجمهوري» الخارجية على الحزب «الديمقراطي» خلال سنين الحرب الباردة، والفارق الكبير والجديد في نوعيات المرشحين، والأهمية المتناقصة للسياسات الاقتصادية التي تبدو ملائمة لعقد الثمانينيات، وسمعته- المستحقة أحياناً- كحزب ميال للانتقاد وإصدار الأحكام على الآخرين. كان مقرراً أن يجري الحزب «الجمهوري» عملية إعادة تقييم شاملة لتلك الأساسيات المزعجة، ولكن تلك العمليات تعطلت بسبب انتخابات التجديد النصفي عام 2010، التي حقق فيها الحزب تقدماً اعتماداً على رسالة مناوئة للحكومة كانت تجد رواجاً في ذلك الوقت. ولكن بعد ذلك التاريخ بعامين ونظراً لعدم إجراء تلك المراجعة المطلوبة فقد مرشح الحزب ميت رومني السباق الرئاسي بفارق خمسة ملايين صوت أمام رئيس منتهية ولايته يقود اقتصاداً مأزوماً. واستعادة الحزب «الجمهوري» لعافيته في السياسات الرئاسية سيعتمد على عاملين اثنين: الأول، سيحتاج المرشحون إلى تفكير جدي وإلى عمل ما هو أكثر من مجرد إعادة تسمية للمقاربات السياسية الحالية ، مثل إنهاء نظام الرفاه المؤسسي، وتحطيم البنوك العملاقة، وتحسين معاملة العائلات المسجلة في الكود الضريبي، وتشجيع الحركية الاقتصادية من خلال إصلاح منظومة التعليم وتحسين التدريب على الوظائف. ومهما كانت الصيغة أو الشكل الذي ستتخذه المقترحات «الجمهورية» في نهاية المطاف، فإنها يجب أن تكون حريصة غاية الحرص على تجاوز مرحلة الحنين إلى عهد «ريجان». الثاني: أن ناخبي الحزب ونشطاءه وقادته أمامهم اختيار يجب أن يقوموا به، أبرزت الأحداث الأخيرة الحاجة إليه بشكل صارخ: فإما أن يتبعوا الطريق الذي سار فيه «الديمقراطيون» عام 1988، من خلال زيادة التركيز على الأيديولوجية المتقلصة سعياً لبث الروح فيها مجدداً. وإما أن يتبعوا نموذج «الديمقراطيين» عام 1992، ونموذج حزبهم ذاته عام 2000، من خلال منح مرشحيهم النفوذ المطلوب لمعارضة الأفكار البالية أو المتطرفة وتقديم أجندة متسقة مع العصر. ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»