ما زالت مشكلة التاميل في سريلانكا تشكل القضية السياسية الأكثر تأثيراً في ولاية "تاميل نادو" الواقعة جنوب الهند، والتي تُعدّ معقلاً لأكثر من 60 مليون تاميلي. وفضلاً عن الحزبين الإقليميين الرئيسيين في هذه الولاية الهندية، دعا حزب "درافيدا كازغام" المعروف اختصاراً باسم "حزب DMK" وهو عضو الائتلاف الفيدرالي الحاكم، الحكومة الفيدرالية لاتخاذ موقف أكثر تشدداً من الحكومة السريلانكية. واضطر الحزب للانسحاب من الائتلاف الشهر الماضي احتجاجاً على الاضطهاد الذي يتعرض له تاميل سريلانكا. وأعلن رئيسه "كارونا نيدهي"، حليف حزب "المؤتمر" منذ 9 سنوات، أن حزبه لن يواصل دعم الحكومة المركزية، لأنها لم تعمل ما في وسعها لتأنيب الحكومة السريلانكية لسكوتها عن المظالم التي تعرض لها التاميل خلال الحرب الأهلية. ودعا إلى فتح تحقيقات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي اقترفتها حكومة "ماهيندا راجاباكسا" في سريلانكا وتشجيعها لجرائم التطهير العرقي ضد التاميل. والآن وبعد مرور ما يقارب الخمس سنوات على انتهاء الصراع الدموي في سريلانكا، قام وزير الخارجية الهندي سلمان خورشيد بزيارة إلى المناطق ذات الأغلبية "التاميلية" في تلك الدولة التي أرهقتها الحرب، ودعا جماعة التاميل لإعادة إطلاق جولة مفاوضات مع الحكومة السريلانكية تهدف إلى نقل السلطة إليهم في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية السكانية المطلقة، وهو أحد أهم المطالب التي تسعى الأقلية التاميلية في سريلانكا إلى تحقيقه. وأعلن خورشيد عن استعداد بلاده لتقديم كل المساعدة الممكنة للحكومة السريلانكية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي المنشود والمبني على مبدأ "المساواة والحرية" للشعب التاميلي. ويبدو أن نقل السلطة يمثل أحد الطرق لتحقيق "الاستقرار السياسي الدائم" للمشكلة الإثنية، التي أدت إلى دخول البلاد في حرب أهلية طاحنة دامت بضع سنوات. وفيما تمكنت حكومة "ماهيندا راجاباكسا" السريلانكية من وضع حدّ لهذه الحرب، إلا أنها واجهت انتقادات عالمية لاذعة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان. وعقب النهاية الناجحة للصراع العسكري، أوقفت المفاوضات مع الأحزاب التاميلية بحجة أن هذه القضايا يجب أن تتم مناقشتها ضمن اللجان البرلمانية. وبهذا تكون قد أوضحت للجميع بأنها غير راضية عن فكرة نقل السلطة ولا تنوي تنفيذها. ولكن، وفي الانتخابات التي تم تنظيمها في القطاع الإقليمي الشمالي لسريلانكا للمرة الأولى خلال السنوات الخمس والعشرين السابقة، اكتسح "حزب تحالف التاميل الوطني" TNAP منافسيه وحقق فوزاً عريضاً. وجاء هذا النصر ليدعم فكرة إجراء انتخابات مماثلة في المناطق التي شهدت أعنف المواجهات في الحرب الأهلية التي أدمت البلد خلال عدة سنوات. ومما يزيد الأمور تعقيداً أمام "التاميل" هو الشخصية المحافظة وغير المهادنة للرئيس راجاباكسا. فهو إلى جانب كونه رئيس الدولة، يحتفظ لنفسه بمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكان قد فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2005 ليصبح الرئيس السادس للدولة بعد الاستقلال، ثم أعيد انتخابه لدورة جديدة لست سنوات في 27 يناير من عام 2011، وكان له دور كبير في إنهاء الحرب الأهلية المريرة التي شهدتها سريلانكا. وفي الهند، لعبت الحكومة التي يقودها حزب "المؤتمر" دوراً فعالاً في تذليل الخلافات بين الأحزاب التاميلية المحلية وشجعتها على تمتين علاقاتها مع سريلانكا من أجل المساهمة في الحدّ من تزايد النفوذ الصيني فيها. ولم يتوقف الزعماء الهنود منذ وقت طويل عن محاولة الاستفادة من الفرصة التي أتاحتها نهاية الحرب الأهلية السريلانكية من أجل العمل على تحقيق الوفاق الوطني الحقيقي. إلا أن الرئيس السريلانكي بدا متردداً في مجال تطبيق الخطة المُعدّة لتحسين أوضاع التاميل ومنحهم ما يكفي من السلطة للدفاع عن أنفسهم. وكان هناك من فسّر زيارة وزير الخارجية الهندي إلى سريلانكا على أنها محاولة من حزب المؤتمر الهندي الحاكم للتأكيد على أن نيودلهي ما زالت تمارس الضغوط على الحكومة السريلانكية لتحقيق مطالب التاميل، وذلك في إطار الاستعداد للانتخابات العامة التي ستجري في الهند عام 2014. وإذا فاز حزب "المؤتمر" بالمزيد من المقاعد (لو نجح في استقطاب أصوات الناخبين الهنود التاميليين بسبب هذا الموقف)، فسوف يبحث عن حلفاء سياسيين في مختلف الولايات الهندية بما فيها "ولاية تاميل نادو" ذات الأغلبية التاميلية، لتشكيل الحكومة المركزية المقبلة. ولهذا السبب، سوف تكون "لعبة حبل البهلوان" صعبة ومعقدة لأن حكومة "مانموهان سينج" الهندية تتعرض الآن بطبيعة الحال لضغوط من الأحزاب التاميلية من أجل إعلان مقاطعتها "لاجتماع رؤساء حكومات دول الكومنولث" الذي ينتظر عقده في العاصمة السريلانكية كولومبو الشهر المقبل. وهناك أيضاً قضية صيادي الأسماك من ولاية "تاميل نادو" الهندية الذين لا يتوقفون عن استباحة المياه الإقليمية السريلانكية مما يؤدي إلى زيادة التوتر بين البلدين. وعندما تقبض السلطات السريلانكية على أي منهم فإنها تتخذ بحقه إجراءات عقابية مبالغ فيها إلى الحد الذي زاد من غضب التاميليين الهنود. وتعمل الحكومة الهندية الفيدرالية الآن على ابتداع تقنيات متطورة تسمح بإعلام الشرطة البحرية عن الصيادين الذين يحاولون اقتحام المياه الإقليمية السريلانكية قبل بلوغها. ولا يمكن للهند أيضاً أن تقبل بخسارة علاقاتها مع سريلانكا. والسبب الأساسي لهذا الموقف هو زيادة النفوذ الصيني فيها في الوقت الذي تعتبرها إحدى مناطق نفوذها. ولا تتوقف الصين عن زيادة استثماراتها في سريلانكا، وهي التي ساعدتها على تشييد "ميناء هامبانتوتا" البحري في أقصى الجنوب ليصبح ثاني أضخم ميناء في الدولة. كما أن الصين تعمل الآن على تنفيذ عدة مشاريع كبرى هناك من أهمها المطار الدولي في العاصمة كولومبو. ولا شك أن العلاقة مع سريلانكا تبدو بالنسبة للهند محيّرة ومربكة. إلا أنها تعمل الآن بعزم على إعادة تأهيل الطرق والمساكن في المناطق التاميلية من سريلانكا التي دمرتها الحرب الأهلية الأخيرة. وأثبت الخبراء الهنود وجودهم هناك، وهم يقدمون مساعدتهم لإعادة الحياة إلى الكثير من المناطق المتضررة. ووقعت مؤخراً اتفاقية لبناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بحرق الفحم الحجري ويمكنها إنتاج 500 ميجاواط، وهي مبادرة تعكس رغبة نيودلهي في التصدي للنفوذ الصيني المتعاظم في المنطقة. ولا تمثل هذه المبادرات إلا جزءاً من المقوّمات المتشابكة التي تربط بين الهند وسريلانكا.