ليس هناك إلا القليل مما يسر الأميركيين بشأن خصوصيتهم منذ بدأ «إدوارد سنودن» مسلسله للكشف عن انتهاكات وكالة الأمن الوطني في يونيو الماضي. ولم تتوقف عمليات التجسس. فصحيفة «نيويورك تايمز» تشير إلى أن شركة أميركية للهواتف طالبت بالتوقف عن تقديم سجلات تتضمن بيانات المواطنين لوكالة الأمن القومي، فقوبل طلبها في مارس بالرفض من محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية، وهي محكمة سرية اتحادية شبه متخصصة في إقرار عمليات التجسس. وقال نصف الأميركيين للقائمين بإجراء استطلاعات الرأي إنهم قلقون من هذه التوجهات. وسلم آخرون فيما يبدو بضياع الخصوصية باعتباره ثمناً لا مفر منه في مجتمع المعلومات. لكن ما من شيء يحتم التوصل لهذه النتيجة. التكنولوجيا لا تسلبنا خصوصيتنا إلا بأوامر قانونية وسياسية. فهناك مجتمع معلومات آخر، وهو أوروبا، يبلي بلاء أفضل بكثير في الدفاع عن خصوصية مواطنيه. ففي الوقت نفسه تقريباً الذي أيدت فيه محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية حق وكالة الأمن القومي بشأن الإطلاع على بيانات اتصالات الأميركيين قضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورج بحكم مختلف تماماً. فقد أسقطت القوانين التي تجيز الاحتفاظ ببيانات المستهلكين الخاصة بالاتصالات لفترة طويلة. وسيتعين إعادة صياغة كل تشريع قومي يقضي بالاحتفاظ بهذه السجلات، وبالتالي توافرها لمراقبة الدولة لما يصل إلى عامين. وفي خطاب شديد اللهجة أشارت المحكمة إلى الافتقار إلى الضمانات «ضد احتمالات إساءة الاستخدام، وضد أي دخول غير مشروع واستخدام للبيانات»، بما يهدد «احترام الحياة الخاصة وحماية البيانات الشخصية». فلماذا لا نجد الأميركيين يوفرون مثل هذا الدفاع الشامل للخصوصية؟ جانب كبير من التعليل يكمن بالتأكيد في تباين الاستراتيجيات القانونية والمبادئ بين أميركا وأوروبا. فأوروبا أرست حقوقاً بشأن تعامل الحكومة والقطاع الخاص مع البيانات الشخصية بصفة عامة في مؤسسات وسياقات استخدام مختلفة. وترسخت حقوق الخصوصية الواسعة هذه بأمر تنفيذي تبناه البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي عام 1995 ويجري تحديثه الآن. ويشمل الأمر التنفيذي أموراً تتراوح بين قانون مكافحة الاحتكار وحقوق النشر. ويلزم الأمر التنفيذي للخصوصية دول التكتل الثماني والعشرين أن تدمج مبادئ الأمر التنفيذي في تشريعاتها القانونية على الصعيد المحلي. ويمنع الأمر التنفيذي المتعلق بالخصوصية، بين أمور أخرى، الكشف «الثانوي» عن المعلومات الشخصية، أي عدم تقديم هذه المعلومات لاستخدامها في أغراض غير التي قدمت من أجلها أصلاً (في مجال مبيعات التجزئة على سبيل المثال أو في الحصول على الرعاية الصحية أو من أجل الأعمال الخيرية). ولإزالة هذا الحظر يتعين على الأوروبيين أن يصرحوا في كل إعادة استخدام تالية وبغير هذا تبقى الأسماء والعناوين والمعلومات الشخصية الأخرى لدى المؤسسة التي قُدمت لها البيانات أصلا. وأحد النتائج الملموسة لتطبيق هذا المبدأ الفعال رغم بساطته هو أن صناديق البريد العادي والإلكتروني للأوروبيين، لا تكتظ بالبريد غير المرغوب فيه الذي يجده الأميركيون يومياً. وفي المقابل لا يرسخ قانون الخصوصية الأميركي مثل هذه الحقوق العريضة. فأشمل القوانين في هذا الصدد، وهو قانون الخصوصية لعام 1974، يوفر حماية محدودة لبعض فئات البيانات الشخصية التي تمتلكها الحكومة الاتحادية. والتشريع القومي الآخر يفرض قيوداً مختلفة على البيانات الشخصية الموجودة في سياقات أو «قطاعات» مختلفة مثل السجل الائتماني للمستهلك أو تلقي الرعاية الصحية. ولذا فعندما تظهر سياقات جديدة مثل برامج التواصل الاجتماعي على سبيل المثال أو الاتصالات المتنقلة، فليس أمام النشطاء المدافعين عن الخصوصية إلا السعي للمطالبة بضمانات جديدة. وقال خبير الكمبيوتر الألماني «فولفجانج كيليان» مقارناً بين قانون الخصوصية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة «النظام الأميركي يبدو كما لو أنه يقول كل شيء مباح ما لم يُحظر». والنهج الأوروبي أقوى، فحين تطرأ مسألة استخدامات جديدة للبيانات الشخصية، فيكون من المعروف سلفاً أنه يتعين مراعاة حقوق الخصوصية الراسخة، وهو رادع كبير للمصالح التي لا تراعي الخصوصية. ومن الضروري بالطبع كي يتم تطبيق هذه الحقوق فعلاً أن تتوافر الهياكل القانونية القوية والإرادة السياسية الجادة. وأوروبا تتفوق في هذه المرحلة على الولايات المتحدة في المجالين. فهل تستطيع الولايات المتحدة أن ترسي حقوقا على غرار أوروبا بشأن المعلومات الشخصية؟ ليس هناك ما يمنع هذا غير انخفاض مستوى اهتمام الصفوة السياسية بالخصوصية. فقد اقترح عدد من المدافعين الأميركيين عن الخصوصية على سبيل المثال بعض الصيغ تمنع إعادة الاستخدام التجاري للبيانات الشخصية بحيث لا تباع بيانات تقدم في سياق معين، مثل البيانات الخاصة بالشراء عبر الشبكة العنكبوتية، أو زيارات مواقع الانترنت، وألا يجري تناقلها في استخدامات أخرى دون تصريح. وهذه الحقوق الجديدة تشبه حقوق المؤلف في عمله أو حقه الفكري بشأن عدم الاستغلال التجاري للبيانات الشخصية. وتتمتع الشخصيات الشهيرة بالفعل بحقوق مثل هذه بشأن الاستخدام التجاري لأسمائهم وصورهم. فلا يمكن افتتاح مطعم باسم بطل من أبطال الرياضة أو السينما دون تصريح أو دون مقابل مادي في الغالب من البطل الشهير. ووضع تشريع يوسع مثل هذه الحقوق للمواطنين العاديين ليس معضلاً. لكن المعارضة السياسية التي قد تظهر مضنية. فهناك الكثير من الصناعات والوكالات الحكومية في أميركا تنتعش بالاستيلاء على المعلومات الشخصية دون تصريح من أصحاب الشأن أو حتى دون علمهم. لكن المثال الأوروبي يبين أن القيود على مثل هذه الممارسات ينسجم مع مجتمع معلومات حيوي. فقد قبلت «جوجل» و«فيسبوك» على سبيل المثال في الآونة الأخيرة قيوداً على الخصوصية فرضتها المحاكم الأوروبية، ولم يضر هذا بأرباحها بشكل واضح. ويمكن تطبيق النموذج الأوروبي إذا استوعب الأميركيون العاديون وجود بدائل جديرة بالاهتمام عن الممارسات الحالية التي تهدد الخصوصية وطالبوا بحقوق خصوصية شاملة وقوية. ـ ـ ـ ـ جيمس رول باحث في مركز دراسة القانون والمجتمع بجامعة كاليفورنيا ـ ـ ـ ــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»