تعكس زيارات ترامب للسعودية و«فلسطين المحتلة- ودولة إسرائيل» والفاتيكان، أبعاداً دينية وأمنية تتسع رقعتها من الشرق الأوسط إلى أوروبا، حيث تحط طائرة الرئيس الأميركي العاصمة البلجيكية «بروكسل». فأهمية الزيارة تأتي من حقيقة دور الولايات المتحدة كدولة عظمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، وبأنها قادرة على ترجمة قوتها وحماية مصالحها مع مصالح وأمن أقاليم عدة في منظورها الجيوسياسي العالمي، الذي لا يخلو من المصالح البراجماتية الخالية من القيم في بعض الحالات. مما لاشك فيه بأن البعد الديني في الشرق الأوسط يعتبر عاملاً رئيسياً في تحقيق الاستقرار من عدمهِ، فهو «البعد الديني» متجذر في هوية بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، فالمملكة العربية السعودية نظامها السياسي ثنائي ملكيٌّ في نسل مؤسس الدولة السعودية الحديثة (الثالثة) الملك عبد العزيز، وفي شرعية المذهب السلفي السُني، الذي لعب دوراً في تأسيس المملكة وفي شرعية النظام السياسي، والذي جعل لها أدوراً تخدم فيها العالم الإسلامي والعربي، مع مكانتها الإسلامية العالمية عبر احتضانها مكة المكرمة وقبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمدينة المنورة إلى كونها تختزل تاريخاً كبيراً للعرب. وعلى النقيض من السعودية، نجد نظام إيران السياسي الإسلامي الشيعي يحمل طموحاً غادراً يتجاوز سيادة وأمن الدول في المنطقة العربية، حيث تعمل إيران في منظور شيعي توسعي يقوم على استغلال البعد الديني المذهبي للمجتمعات الشيعية في الأقطار العربية وتقودهم إلى أهداف توسعية نحو أفكار تتعلق بإرادة الله ومعتقدات تربط بغير الحق مع آل بيت رسول الله، وكلها أفكار شمولية ومبنية على صراعات تاريخية في تصفية الآخر المضاد لهم في الدين نفسه «الإسلام»، وتبلغ تلك الأهداف التنظير إلى نزول المهدي ومحاربة «السفياني» وغيرها من الأفكار المدمرة والمخربة في سبيل إقامة دولتهم المؤيدة من الرب حسب ما يؤمنون بهِ. وقد أصبح للنظام الملالي خلايا ومليشيات وأحزاب شيعية ومجتمعات منتشرة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الأقطار الخليجية والعربية والإسلامية، ووصلت إيران ونظامها الملالي إلى كونها خطراً كبيراً على أمن منطقة الخليج والشرق الأوسط، فالصراعات المذهبية باتت حاضرة بقوة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فالحروب الدينية والمذهبية من أخطر الحروب وأبشعها فالكل يعتقد بأن الله معهُ. محطات ترامب في الشرق الأوسط تحمل ضبطاً ومانعاً لمعتقدات مقدسة «مدمرة» في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار، فزيارة ترامب للسعودية تعيد تعزيز العلاقات التاريخية بين واشنطن والرياض، التي مرت بخلافات منها سياسات الرئيس السابق أوباما تجاه تقبل مشروع النووي الإيراني، وتبعية العراق لإيران، وضعف الدور الأميركي الأمني في المنطقة، وتبدد هذه الزيارة أيضاً الخلاف حول قانون «جاستا»، وتقف واشنطن مع إدراك المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون ودول عربية بأن برنامج إيراني النووي وسياساتها يشكل خطراً على أمن المنطقة من تبعية العراق والثورة السورية ووضع اليمن ولبنان، إلى تحطيم الولاء الوطني للأقطار لصالح الولاءات الدينية المذهبية لصالح لإيران. وتأكد هذه الزيارة بأن محور تحالف موسكو مع طهران في تقويض الحضور الأمني والعسكري الأميركي في المنطقة قد أضحى ورقة محروقة، خاصةً في قابلية ترامب لتقاسم النفوذ والمصالح مع موسكو في سبيل استقرار المنطقة، كما أن العلاقة القوية في تلاقي الرؤية الأمنية بين كلاً من أبوظبي والرياض مع واشنطن تقدم رؤية أمنية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط من قضايا محورية مثل الحد من استغلال الدين في خلق الصراعات والمصالح، والدور الإيراني، والثورة السورية، ووضع ليبيا واليمن والعراق، إضافة إلى دور الأكراد وأمن الأقليات العرقية والدينية. فالدور الأميركي مع الدول العربية الأكثر فاعلية كالإمارات والسعودية ومصر والأردن إلى المغرب والسودان مع تلاقي براجماتي مع موسكو، لابد أن يقود إلى تقليص الدور والقوة الإيرانية المتلاعبة بالدين، والقضاء على الإرهاب، إلى جانب ضرورة إعطاء الثورة السورية حقوقها في إسقاط نظام بشار دون وصول أطراف متطرفة للسلطة، وإعادة الأمن في ليبيا واليمن، وتخليص العراق من تبعية إيران. وفي موطن ميلاد النبي عيسى عليه السلام «فلسطين المحتلة»، التي مازالت تعيش صراعاً بين الفلسطينيين واليهود، حيث تكونت إسرائيل عبر البعد الديني اليهودي ومعتقداتهِ، نجد في زيارة ترامب لإسرائيل/فلسطين المحتلة أمران في غاية الأهمية، الأول هو حماية وبقاء إسرائيل كأحد محددات السياسة الأميركية، الذي يعكس حالة التحالف المسيحي المحافظ مع اليهود في غايات ليست فقط لهوية اليهود وحصولهم على دولة، بل تنظيراً وتحقيقاً لتنبؤ عودة المسيح المشروطة بعودة اليهود إلى أرض فلسطين. والأمر الثاني مسعى واشنطن لإكمال الماراثون في تحقيق السلام المدعوم دولياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر إقامة دولتين، وهذا المسعى لا يتعارض بل يتماشى مع التنظير للمعتقد الديني. ولعل زيارة الفاتيكان «الذي سبق وانتقد ترامب» تمثل مدى أهميتهُ الرمزية الدينية في حياة المسيحيين في الولايات المتحدة وأوروبا على الرغم من الفروق بين الكاثوليكية والبروتستانتية وغيرها من المذاهب المسيحية، وربما تعكس هذه الزيارة مدى اهتمام الإدارة الأميركية بمسألة تهجير وحماية المسيحيين الشرقيين في مناطق الشرق الأوسط كسوريا والعراق. وليس غريبا القول بأن رجل واشنطن الأول يحمل رمزية الأمن لأوروبا في زيارتهِ للعاصمة البلجيكية «بروكسل» لحضور قمة «الناتو». أخيراً، ترامب بين المعتقدات المقدسة والصكوك الأمنية، يبحث عن صك دعائم الأمن في منطقة الخليج والشرق الأوسط عبر ضبط المعتقدات الدينية، من خلال محاربة الإرهاب والتطرف الديني، والحيلولة دون بروز مهيمن إقليمي يهدد الأمن كإيران ومليشياتها، ومنع انتشار الأسلحة النووية، مع بقاء إسرائيل وإتمام عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي جانب آخر يدعم أمن أوروبا، كل ذلك يرسم دائرة إقليمية ودولية لتحقيق المصالح الاقتصادية والأمنية ويكون مركزها واشنطن.