لم تحقق الجولات الست من المفاوضات في جنيف أي تقدم يذكر، ويمكن القول إن المفاوضات بين المعارضة والنظام لم تبدأ إلى الآن، فالطرفان يفاوضان المبعوث الأممي الذي لا يملك قوة ضاغطة على النظام كي يقبل بالتفاوض المباشر والدخول في صلب الموضوع، وهو الانتقال السياسي المنشود، وبدا واضحاً أن الروس يريدون التخلص من إشراف الأمم المتحدة، وهذا ما دعاهم لإنشاء مسار تفاوضي في آستانة بعيداً عن الهيئة العليا للمفاوضات التي تصر على تنفيذ قرارات مجلس الأمن. وقد أبدت الهيئة مرونة في التفاعل مع مسار آستانة لكونه اتخذ طابعاً عسكرياً يبحث عن وقف لإطلاق النار، ولكن الروس الذين دعوا الفصائل العسكرية وحدها فاجؤوا العسكريين بحديث عن الدستور، بل إنهم قدموا رؤيتهم لدستور سوري. وبالطبع رفض العسكريون أن تكون مباحثات آستانة سياسية الهدف، ورفضوا بحث الدستور وانتهت محادثات آستانة إلى اتفاقية دولية (لا توقيع للسوريين عليها) حول ما سموه تخفيف التوتر. وعلى رغم أنه لا يلبي الهدف الذي نسعى إليه من وقف شامل وكامل لإطلاق النار فقد وجدنا فيه خطوة مقبولة لتخفيف معاناة شعبنا من القصف المتصاعد. ولولا أن إيران أحد أطراف الاتفاق لوجدنا فيه منطلقاً لتحقيق خطوات أوسع نحو مرحلة بناء الثقة التي نص عليها القرار الدولي 2254 واعتبرها فوق التفاوض. ولا يغيب عن روسيا أن الشعب السوري كله يرفض وجود إيران رفضاً مطلقاً ويعتبرها دولة معتدية، ولها مشروع طائفي عقائدي توسعي يهدد مستقبل سوريا والمنطقة. ولكن روسيا مضطرة لبقاء إيران عسكرياً على الأرض لأن روسيا تسيطر على سماء سوريا بينما إيران تسيطر على الأرض في مناطق نفوذ النظام. والعجب أن تتجاهل روسيا الحقائق الناصعة في كون إيران منبع الإرهاب وراعية «داعش»، فقصة تدخلها في الموصل برعاية المالكي لا تغيب عن أحد، فضلاً عن الرعاية التاريخية لـ«القاعدة» في طهران، ومع ذلك تزعم روسيا أن إيران تحارب الإرهاب! ولقد أبدت المعارضة السورية مرونة في الحوار مع روسيا لكونها دولة كبرى لا نريد تصعيداً عسكرياً معها، وندرك أهمية كونها عضواً في مجلس الأمن، وتملك تفويضاً دولياً غير معلن لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، إلا أن حوار المعارضة مع روسيا لم يصل إلى أرضية مشتركة ينطلق منها مسار الحل باتجاه النجاح، وهذا ما لمسته شخصياً في لقائنا الأخير مع السيد غاتيلوف في جنيف. إن ما يطلبه المجتمع الدولي جله، هو أن تبتعد روسيا عن دعمها للمشروع الإيراني التوسعي، وهذا ما أكدت عليه قمم الرياض مع الرئيس ترامب، وإصرارها على التماهي الكامل مع مشروع إيران غير المشروع، سيفقدها صلتها مع الأمتين العربية والإسلامية معاً. ونعرف أن روسيا تريد أن تستعيد مرحلة الحرب الباردة لتعود قطباً مهماً في الساحة الدولية، ولكنها اختارت الحليف الذي ينظر إليه العالم كله على أنه مصدر الإرهاب ومنبعه. وقد ألمحت روسيا إلى أنها حققت نجاحاً في آستانة، بينما تخفق المفاوضات في جنيف، ولكنها مسؤولة عن إخفاق جنيف لأنها تصر على أن تضع العربة أمام الحصان، حين تضغط على الوسيط الدولي ألا يناقش الانتقال السياسي، وأن يشغل المفاوضين بالحديث عن الدستور أولاً، وقد قبلنا بذلك كي لا يقال إننا نعطل مسار التفاوض، وقبلنا أن يكون هناك مستشارون وخبراء يدرسون الملف الدستوري والقانوني على ألا يتوقف مسار الملف السياسي المتعلق مباشرة برؤية جادة للانتقال السياسي. وشعبنا اليوم يرتاب فيما يخطط له الآخرون، ويخشى خطر أن يؤول المسعى الدولي لإنهاء القضية إلى عملية تقاسم نفوذ، تجعل التقسيم واقعاً على الأرض، وهذا ما يرفضه شعبنا، ومحال أن يقبل أحد بأن تكون محصلة الثورة السورية الضخمة بتكلفتها البشرية والإنسانية الدموية ضياع سوريا وتمزقها إلى أجزاء ودويلات. ومحال كذلك أن يقبل السوريون بكون إيران ضامناً لأمنهم، أو أن يكون لها أي دور في المستقبل، وهي التي قتلت آلاف السوريين، ولن يطمئن شعبنا لأي دور روسي أيضاً ما لم تقف روسيا على الحياد وتقتنع بأن مصالحها الاستراتيجية في سوريا هي مع الشعب وليس مع نظام مجرم دمر سوريا، وقتل شعبها وشرده.