كان مؤتمر الرياض لقوى الثورة والمعارضة السورية جامعاً لشتات المعارضة وموحداً لقواها ضمن مسعى دولي تجسد في مؤتمر فيينا في أكتوبر عام 2015 لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، وقد استضافت المملكة العربية السعودية هذا المؤتمر في الفترة بين 8- 10/12/2015، وتمكن لأول مرة من جمع المدنيين مع العسكريين في نسيج واحد، وقد تمخضت عن المؤتمر الهيئة العليا للمفاوضات التي اتخذت من الرياض مقراً لها، ووجدت عناية واسعة من الأشقاء في السعودية وفي دولة الإمارات بشكل خاص. ومن المعروف أن هذه الهيئة ليست جسداً سياسياً جديداً في الساحة السياسية السورية، وإنما هي تشكيل من مكونات رئيسة في المعارضة هدفها المعلن الوحيد هو تحقيق حل سياسي وفق بيان جنيف، كما أن مجلس الأمن قدم القرار الدولي 2254، بالإضافة إلى مجموعة القرارات التي سبق أن أصدرها المجلس ورسمت جميعاً رؤية مقبولة للحل ضمن الممكن، ولم يكن الموقف الروسي معطلاً لمسيرة التفاوض في العلن، فقد حرصت روسيا على رغم تدخلها العسكري للدفاع عن النظام بذريعة محاربة الإرهاب على أن تبدو دافعة للوصول إلى حل سياسي، لكن روسيا التي حضرت مؤتمر فيينا الذي أسس لمؤتمر الرياض في 30/ 10/2015 (كما حضرته إيران) وشاركت روسيا بدور رئيس في صياغة القرار 2254 الذي صدر يوم نهاية المؤتمر (ناجياً من «الفيتو» الروسي المعتاد)، لكنها أوجدت ثغرات تعوق الوصول إلى حل سريع ينهي عذابات السوريين ويحقق الأهداف التي يتطلعون إليها وأهمها تحقيق الانتقال السياسي. ومن أهم الثغرات عدم الاعتراف بوحدة المعارضة التي تحققت في مؤتمر الرياض، فقد أصرت روسيا على وجود منصات أخرى للمعارضة، وعلى تشكيل عدة وفود، على رغم أن الفوارق بين مطالب هذه الوفود تقنية وقابلة للحوار، ولكنها بدل أن تسهم في تحقيق التوافق أصرت على تضخيم الخلاف. وأما الثغرة الكبرى فهي موقف روسيا المختلف عن مواقف أصدقاء سوريا في فهم وتفسير عملية الانتقال السياسي التي تركت فيها غموضاً مقصوداً بهدف المماطلة في الوصول إلى حلول. وعلى مدى الجولات الست لم يبد النظام أي استعداد للدخول في تفاوض جاد، بل كان يصر على خطته في الحسم العسكري، ويعلن أن سقف ما يمكن أن يوافق عليه هو حكومة وحدة وطنية بقيادته دون أي انتقال سياسي، وقد اعتدنا أن نشهد تصعيداً عسكرياً همجياً ضد شعبنا مع بدء كل جولة من جولات التفاوض، مما يجعلنا نواجه ضغطاً شعبياً كان يدعونا لتعليق التفاوض أو تأجيله، فينجح النظام وحلفاؤه في التعطيل، وقد كان آخر توقف في الجولة الثالثة قد بدا وكأنه فشل ذريع لمسار جنيف ونهاية له. ومع العودة إلى المفاوضات وإصرار الهيئة العليا على عدم التوقف أو التأجيل وموافقة «دي مستورا» على مناقشة الموضوع الرئيس وهو الانتقال السياسي، بدأت روسيا في الترويج لمفاوضات أستانة ولم تقف الهيئة العليا ضد هذه المفاوضات ما دامت تختص بوقف إطلاق النار كما قال الروس، ولكن وفد المعارضة فوجئ بطرح موضوع الدستور، وبدا أن هناك نية لتحويل مفاوضات أستانة العسكرية إلى مفاوضات سياسية مع أن وفد المعارضة كان عسكرياً محضاً وقد أصر على أن يكون الموضوع في أستانة وقف إطلاق النار فقط. والمفارقة أن لقاء أستانة لم يحقق حتى ما وعد به مؤخراً من تخفيف التصعيد، فما يحدث في درعا اليوم هو ذروة من التصعيد، وهذا ما جعل اتفاق أستانة فاشلاً، وكانت الهيئة العليا قد شكلت وفدها المفاوض للعودة إلى مسار جنيف متضمناً ممثلين لمنصة القاهرة ومنصة موسكو بالاتفاق مع «دي مستورا» ولكن روسيا عطلت وحدة الوفد، وما نزال مصرّين على أن يكون للمعارضة وفد واحد يضم ممثلين عن المنصتين. وفي الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف كان المطروح موضوع الدستور وهو أحد الملفات الأربعة، وقد طلب «دي مستورا» تشكيل آلية تشاورية خشينا أن تتحول إلى بديل عن الوفد المفاوض، وأن تنعطف بالمفاوضات إلى تفاصيل تجعل الحديث عن الانتقال السياسي مؤجلاً، ولكننا لم نرفض تشكيل هذه الآلية، على أن يكون عملها موازياً لعمل الوفد. وتجتمع الهيئة العليا الآن في الرياض لدراسة تمتين عمل المعارضة السياسي، ولبحث المستجدات الراهنة، وتقويم الجولات السابقة، والاستعداد لجولة مرتقبة جديدة نأمل أن تجد دعماً أفضل من أصدقائنا في المجتمع الدولي الذي دخل بعد قمم الرياض مرحلة أكثر جدية في محاربة الإرهاب، وحسبنا إنهاء منابعه الإيرانية التي تشكل تهديداً للأمة وللعالم كله، وليس لسوريا والعراق ولبنان واليمن فقط.