لماذا تنفرد الولايات المتحدة في أنها الدولة الغنيّة الوحيدة التي لا تمنح حق الحصول على الرعاية الصحية الأساسية للجميع؟ لقد أحرزنا الكثير من التقدم في هذا الاتجاه في عهد إدارة أوباما، لكنه لم يكن كافياً، إلا أن إدارة ترامب تفعل كل ما بوسعها للتراجع عنه. ولماذا يرتفع مستوى الفقر إلى أكثر مما توحي به مؤشراتنا الاقتصادية، كما يتضح من خلال معدلات الوفاة العالية عند الأطفال رغم التطور الكبير الذي يشهده نظامنا الطبي؟ يمكن إيجاد الجواب من خلال التدقيق في سياساتنا، فنحن نتفرّد بالتعبير عن رفضنا لتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية لكل مواطنينا، وتقف وراء هذا الموقف السياسي الحقيقة الصادمة التي تعيدنا إلى «إرث العبودية»، ولا يكاد الأميركيون البيض يتوقفون عن الظنّ بأن نظام الأمن الاجتماعي بشكل عام أصبح وكأنه هبة تمنح لغيرهم بدلاً من أن يستأثروا بها وحدهم. ولا يمكن اعتبار هذا الشعور مجرّد تخيّل فارغ أو بلا أساس، وإذا أردت فهْم السبب الذي يجعل السياسات المتبعة إزاء الفقراء مختلفة عن تلك المنتهجة على المستوى العام للبلاد، فيمكنك التساؤل: لماذا تقدم بعض الولايات الأميركية خدمات منقوصة ومتباينة بشكل كبير بعضها عن بعض في مجال دعم العائلات التي تعاني مع أطفالها شرور الفاقة والمرض؟ لقد فضل محلل تفسير الأمر بصراحة أكثر عندما قال: «كلما زاد عدد السود في ولاية أو مدينة ما، انحسرت مشاعر تعاطف الناخبين البيض معها». وربما تتضح لك فصول هذه القصة بشكل أفضل لو تمعّنت في أسلوب تطبيق «قانون الرعاية الطبية الميسرة» الذي يسمح للولايات بتوسيع آفاق التغطية بالضمان الصحي على حساب الميزانية الفيدرالية. وهو يعني أيضاً منح بوالص الضمان الصحي لأكبر عدد ممكن من السكان ودون أن يدفعوا أي تكلفة. وإذا كنت تعتقد أن هذه السياسة تفتقر إلى المنطق، فعليك أن تتذكر أن 31 ولاية، بما فيها الولاية التي تضم العاصمة واشنطن، سبق أن استفادت قبل وقت طويل من هذه الفرصة. وحتى وقت قريب، ظهر وكأن ولاية فرجينيا بدأت تنتفض بعيداً عن تاريخها المظلم، حتى أصبحت أكثر تنوعاً من حيث الإثنيات والأعراق التي تستوطنها، وأكثر انفتاحاً من النواحي الثقافية.. ويمكنك أن تقول بكلمة أخرى إنها باتت أكثر شبهاً بأميركا ذاتها. ويستند هذا الحكم على اعتبار أن «أميركا الحقيقية» تمثل أكثر من مجموعة كبيرة من البلدات الصغيرة والأراضي الزراعية، بل هي المكان الذي يجمع سكاناً مختلفي الأصول ومتعددي المشارب، لكنهم متحدون جميعاً تحت راية الوطن، أو على الأقل هذا ما نحاول الإيحاء به من خلال التزام مشترك بالتمسك بالقيم العالمية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وليس من قبيل الصدفة أن تصبح فرجينيا الولاية الأكثر شبهاً بأميركا من النواحي السياسية، على الأقل في الانتخابات المحلية، وهي التي كانت تدعم مرشح الحزب الديمقراطي لمنصب حاكم الولاية خلال الجولات الانتخابية الثلاث الماضية، لكنها أيضاً كانت المكان الذي شهد انطلاق «مسيرة شارلوتسفيل» سيئة السمعة التي قادها رهط من العنصريين البيض من حملة المشاعل، وانتهت بسقوط قتلى ضمن المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب. وما تزال فرجينيا أيضاً ترفض توسيع العمل بنظام «المساعدة الطبية»، رغم الصعوبات المادية التي يعانيها كثير من سكانها والذين ينتهي الحال ببعضهم إلى الموت بسبب العجز عن دفع تكاليف العلاج. ومعلوم أن الناخبين المؤيدين للحزب الديمقراطي في فرجينيا أقل إقبالاً على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة والمحلية من الناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري، ونتيجة لذلك أصبحت واقعة تحت حكم سلطة تشريعية يمينية، وهناك احتمال حقيقي لأن يحكمها حاكم «جمهوري» بدلاً من حاكمها «الديمقراطي» الحالي في الانتخابات المقبلة. وهناك حملة سياسية موجهة لهذا الغرض يقودها الجمهوري «إد جيلسباي». وربما لا يكون لمثل هذه الألاعيب السياسية دور في تغيير العقليات السياسية لدى سكان الولاية التي عرف عنها رفضها القوي الالتزام بالقرارات والسياسات التي يعتمدها الرئيس ترامب، لكن تزايد مشاعر الغضب لدى الناخبين البيض قد يغير نتائج الانتخابات إذا لم يثبت «الديمقراطيون» القوة الكافية وتعزيز حضورهم الانتخابي. ومهما حدث في فرجينيا من تطورات سياسية مستقبلاً، فسوف تكون عواقبها وخيمة، فإذا انسحب «جيلسباي» من السباق الانتخابي فسيزيد ذلك من رغبة الجمهوريين المؤيدين لترامب بالعودة إلى العمل، ومن ناحية أخرى إذا كسب الديمقراطي «رالف نورثام» الجولة، فإن ذلك سيُعتبر نجاحاً كبيراً للديمقراطيين في الولاية، لكنه قد لا يعني أن مئات الآلاف من السكان سيحصلون على بوالص التأمين الصحي المجانية. ويمكن اعتبار ولاية فرجينيا المكان الأكثر أهمية في المشهد السياسي الأميركي، وما يحدث فيها قد يقرر مصير الأمة الأميركية كلها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»