وصلت آخر مشاحنات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع جمهوريين مهمين، إلى نقطة خطيرة، وذلك عندما أصبحت لياقة الرئيس الذهنية لممارسة مهام منصبه كقائد أعلى للقوات المسلحة الأميركية، موضعاً للتشكيك من جانب بعضهم، مما قد تترتب عليه تداعيات بعيدة المدى، على الأمن القومي للولايات المتحدة وعلاقاتها بدول العالم، ففي مقابلة أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، ونشرتها في الثامن من شهر أكتوبر الجاري، مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الجمهوري «بوب كوركر»، قال الأخير: «ترامب يتعامل مع منصبه وكأنه عرض من عروض (تلفزيون الواقع) حيث يوجه تهديدات طائشة للدول الأخرى، يمكن أن تضع البلاد على الطريق لحرب عالمية ثالثة». ومع أن كوركر قال إنه لن يرشح نفسه لإعادة انتخابه في منصبه الحالي عام 2018، وإنه بالتالي بات محصناً من الضغوط السياسية التي قد تواجهه إذا ما تحدث بشكل علني عن مخاوفه أثناء حملة إعادة انتخابه، إلا أنه -مع ذلك- يمكن توصيف رغبته في استخدام لغة في غاية القسوة، في وصف ترامب، بأنها لغة غير مسبوقة. وعندما غرّد ترامب في نهاية الأسبوع ذاته قائلاً إن كوركر «لم يكن لديه الشجاعة لترشيح نفسه للاستمرار في تولى منصبه»، رد عليه كوركر بتغريدة قال فيها: «إنه شيء يدعو للشعور بالعار، أن يتحول البيت الأبيض إلى مركز للرعاية النهارية للبالغين، وعلى ما يبدو أن أحدهم لم يحضر للالتحاق بورديته هذا الصباح». ومثل هذه اللغة لا يمكن أن يترتب عليها سوى ترسيخ الانطباع، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها (في مختلف أنحاء العالم)، بأن ترامب لا يحظى بدعم أشخاص مهمين داخل حزبه، وأن طبيعة واتجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أنها باتت تعاني من التخبط والارتباك. وجاءت تصريحات كوركر بعد أيام قليلة من قيام شبكة «إن بي سي نيوز» بإذاعة قصة مؤداها أنه عقب جلسة متوترة للغاية، في الصيف المنصرم، بين ترامب ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، بشأن سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان، وصف تيلرسون الرئيس بـ«الغباء». وعندما سمع ترامب ذلك، طلب مساعدوه في البيت الأبيض، بمن فيهم نائب الرئيس «مايك بنس»، من تيلرسون التحدث للصحافة، ونفي هذه القصة من أساسها. وفي ظهور غير معتاد، أمام الفريق الصحفي لوزارة الخارجية، أثنى تيلرسون ثناءً كبيراً على الرئيس، واستعرض إنجازاتهما المشتركة، وقال: «هذا الرئيس يحب وطنه. ويعطي الأميركيين وأميركا الأولوية، كما أنه رئيس ذكي». إلا أن الملاحظ أن تيلرسون، على الرغم من هذا الثناء المفرط، رفض بإصرار أن ينكر أنه أطلق على ترامب ذلك الوصف الذي تناقلته وسائل الإعلام، وهو الوصف الذي بات عنواناً للمؤتمر الصحفي. هناك اختلافات علنية معروفة بين تيلرسون وترامب بشأن كيفية معالجة عدد من أزمات السياسة الخارجية، منها على سبيل المثال المواجهة مع كوريا الشمالية النووية، والاتفاق النووي مع إيران. وعلى النقيض من كوركر الذي يحظى بشعبية كبيرة في مجلس الشيوخ، فإن تيلرسون ليس لديه سوى عدد محدود من الأصدقاء في واشنطن، كما أنه مكروه من قبل كثيرين في الكونجرس، بل وداخل وزارة الخارجية ذاتها. والتوقعات السائدة بين خبراء واشنطن حالياً، هي أن تيلرسون سيغادر وزارة الخارجية، وأن ذلك يمكن أن يكون قبل نهاية العام الحالي. كان لترامب أيضاً بعض المواجهات الحادة مع أعضاء حزبه، بشأن موضوعات محلية، حيث أقال مؤخراً «توم برايس»، وزير الصحة والخدمات الإنسانية، لـ«إساءة استخدام» الطائرة الرسمية للوزارة في السفر، للوفاء ببعض الارتباطات على جدول مواعيده، بدلاً من الطيران على متن طائرات تجارية، كما كان يفعل سابقوه في المنصب، ويلاحظ في هذا الصدد أن ترامب أقال (أو قبل استقالة) معظم أفراد هيئة العاملين الذين التحقوا بالبيت الأبيض في يناير الماضي، عندما تولى مهام منصبه رسمياً، بمن فيهم مدير مكتبه «رينس بريبوس»، وسكرتيره الصحفي «شين سبايسر»، ومستشاره الرئيسي «ستيف بانون». والشيء الذي يقلق معظم المحللين العارفين، ليس هو هذه المشاجرات المحلية، لأن النظام السياسي الأميركي يحتوي على عشرات من الضوابط وآليات التوازن الكفيلة بالحد من سلطة الرئيس، وإنما الذي يقلقهم ويثير مخاوف حقيقية لديهم هو حدود سلطة الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة. ففي الحالات العادية، أي في حال عدم تعطيل سلطة الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة، فإنه يظل الشخص الوحيد الذي بإمكانه إعطاء أمر بشن عمليات عسكرية كبيرة، تشمل أيضاً شن الحرب النووية، والواقع أن هناك عدداً قليلاً من الضوابط بشأن هذه المسألة تحديداً، والتي تعد مسألة حياة أو موت بالنسبة للدول. وبالتالي، هناك من يصف تعليقات ترامب المستمرة حول رغبته في استخدام كل الإمكانات العسكرية الموضوعة تحت تصرفه لإيقاف البرنامج النووي لكوريا الشمالية، بأنها تعليقات خطيرة إلى أقصى حد. لذلك أثارت تعليقات كوركر وتيلرسون بهذا الشأن، قدراً كبيراً من القلق، على الصعيدين الداخلي والخارجي.