وظفت دولٌ عديدة جماعة «الإخوان»، في النِّزاعات السياسية الداخلية منها والخارجية، لكنَّ علاقة دولة قطر مع «الإخوان» أمرها على ما يبدو تجاوز التَّوظيف، فقد سخرت كلَّ إمكانياتها، وغامرت بعلاقاتها بالمنطقة مِن أجلهم. أنشأت فضائية بإمكانيات هائلة، لهم فيها اليد الطولى، وأن تكون الدَّوحة مقراً لـ«الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، ومَن يطلع على خطابه يجده اتحاداً سياسياً لا دينياً؟! كذلك حلَّ «الإخوان» القطريون تنظيمهم بعد تسلم الشَّيخ حمد للسلطة، إثر الانقلاب بالدوحة (1995)، دون بقية تنظيماتهم بالمنطقة، فيغلب على الظَّن ما حصل ذلك إلا لأنهم أصبحوا السُّلطة! أشار القاضي والكاتب الليبي محمد عبد المطلب الهوني، في كتابه «سيف الإسلام القذافي.. مكر السياسة وسُخرية الأقدار» (دار مدارك 2015)، إلى ما بذلته قطر مع نظام القذافي، كي يكون للإخوان دور في الحكم، عن طريق إقناع سيف الإسلام بفكرة أن لا يكون له الحكم إلا بالإخوان أنفسهم. يقول الهوني عن المشورة القطرية: «لا يستطيع أن يحكم ليبيا مستقبلاً إلا بالتَّحالف مع الإخوان، وقام الشَّيخ حمد بإجراء كل الاتصالات والمفاهمات بين الطرفين». بعدها تأتي القاصمة على لسان الهوني: «ذكر لي سيف الإسلام أن الشَّيخ حمد أسرَّ له بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين»! وبالتالي لا حرج مِن أن يتحول سيف نفسه إلى تبني مبدأ الجماعة، وبالفعل اقتنع سيف بفكرة قطر عن الإخوان، وأُطلق سراحهم مِن السجون، و«استعمل نفوذه وكل قوته مِن أجل تعويضهم عن فترة السِّجن، وإرجاع مَن كانوا أساتذة في الجامعة إلى التَّدريس فيها مِن جديد، وكان يجتمع بقادتهم في ليبيا، وذلك بشكل متواتر». كان الهوني في هذا الأمر صاحب دراية لا رواية، فقد تم إيفاده، مِن قِبل القيادة الليبية، إلى حسن الترابي (ت2016) للتوسط بين إخوان السودان والسلطة السودانية، تم ذلك بطلب ملح مِن قطر أيضاً. ويضيف الهوني في كتابه المذكور بأن القذافي الابن قرر، وبنصيحة قطرية، أن يُعين مراقب الإخوان الليبيين بالوكالة رئيساً للوزراء، لكن الأب كان مشككاً بنواياهم. لا يختصر الأمر فقط على الإخوان وقطر، في محاولات الاستفادة من السُّلطة، بالاقتراب مِن رموزها، بل الإسلام السِّياسي كافة كان يفكر بهذه الطريقة، فعندما احتدم الصراع بالعراق بين اليسار ورجال الدِّين الممثلين بـ«جماعة العلماء»، التي تشكلت بالنَّجف (1959)، قُبيل تأسيس حزب «الدَّعوة»، ومع اعتبارهم لعبد الكريم قاسم (قُتل 1963) عدواً، خططوا لكسبه إلى جانبهم، فأطلقوا عليه لقب «نصير الإسلام»، رداً على تسمية اليسار له بـ«نصير السَّلام» (مذكرات السَّيد مهدي الحكيم). كذلك يقول السَّيد طالب الرِّفاعي أحد مؤسسي «الدَّعوة»: «أخبرتُ محمد باقر الصَّدر... بأن صدّام حسين عرف بقدومي إلى العِراق، فأمر أن تُعطى لي أرقام تيلفوناته، وإنه أوصى أن أدخل عليه متى شئت. إلا أن موقف الصَّدر قد فاجأني عندما قال لي: لماذا لا تذهب إليه! فقلتُ له: وماذا أفعل به؟ قال: نقضي أشغالاً كثيرة بوساطة هذه العِلاقة» (أمالي السَّيد طالب الرِّفاعي). ونجد لدى رئيس الحزب الإسلامي العراقي في بداية الستينيات، الشَّيخ نعمان السَّامرائي، ما يفيد أن «الإخوان» كانوا ملتصقين بالرئيس عبد السَّلام عارف (قُتل 1966)، ومنه: أنه كان قد دعاهم لمشاركته في الثَّورة ضد عبد الكريم، لكن المبعوث لم يبلغ الإخوان (السَّامرائي، مذكرات). مما يذكره رئيس الحزب الإسلامي الأسبق أيضاً أنه بعد مقتل عبد السَّلام عارف قدمت الحكومة المصرية «الإخوان» إلى المحكمة، فلما نقل السَّامرائي الخبر إلى الرئيس الجديد عبد الرَّحمن عارف (ت2007) للتوسط، علق الرئيس على الخبر قائلاً: «هذا صاحبكم مات والعوض عليه تعالى» (المصدر نفسه)، ويعني شقيقه عبد السَّلام. نفهم أن كسب أعيان السلطة مِن قِبل الإسلام السياسي، كان عملاً منظماً لقضاء «أشغال بهم»، والتَّجارب كثيرة. وعلى ما يبدو، كانت تجربة قطر أبرزها وأنجحها، فبجهودها كاد الإخوان يُقيمون الخلافة على مقاسهم، وعندها ستكون الدَّوحة مركزها ومحورها، والبداية مِن ليبيا عن طريق نجل القذافي، وولي عهده مثلما كان يُفهم من دوره في مؤسسة الحكم الليبية، وبعد فشل المشروع التفتوا إلى الرَّبيع العربي، ونجحوا بتونس ثم بمصر، وإعلان النَّجاح بصلاة الشَّيخ يوسف القرضاوي في ميدان التحرير بالقاهرة. ختاماً، إذ فشل «الإخوان» في محاولتهم بكسب ملوك ورؤساء وشباب مِن أمراء ومشايخ الجزيرة والخليج، تراهم نجحوا مع قطر نجاحاً مبرماً. هذا، ولنُصيب الأصغر (ت175هـ): «وإذا جهلتَ مِن امرئ أعراقه/ وقديمه فانظر إلى ما يصنعُ» (ابن المعتز، طبقات الشُّعراء). فما صنعته قطر للإخوان كثير، وكادوا بثروتها وإعلامها يقيمون حلمهم في الخلافة، ولا يُبذل لهم هذا لمجرد توظيفهم، إذا لم تكن قطر نفسها صاحبة العقيدة.