تتواصل أزمة اللاجئين في العالم، وأحدثُ فصولها التقاريرُ الإخبارية الأخيرة التي تحدثت عن عمليات بيع وشراء في ليبيا للاجئين كانوا يريدون أوروبا، ولكن السبل تقطعت بهم هناك. وقبل ذلك، تصدّرت نشراتِ الأخبار أزمةُ مسلمي الروهينجا الذين لجأوا إلى بنغلاديش، هرباً من الاضطهاد والقتل اللذين يتعرضون لهما في بلدهم بورما. وفي الأثناء، يواصل لاجئون استبدّ بهم اليأس من العراق وسوريا وأفغانستان وأفريقيا محاولات الوصول إلى الضفة الشمالية من «المتوسط»، لكن أعداداً كبيرة منهم تقضي غرقاً في البحر أثناء المحاولة. على هذه الخلفية القاتمة، صدر مؤخراً لوزير الخارجية البريطاني السابق «ديفيد ميليباند» كتاب بعنوان «الإغاثة.. اللاجئون والأزمة السياسية لزمننا»، وفيه يشرح لماذا ينبغي الاهتمام بمعاناة اللاجئين، وكيف يمكن إحداث فرق، آخذاً القراء من مناطق الحروب في الشرق الأوسط إلى قلب أوروبا لشرح الأزمة وما يمكن القيام به، ليس فقط من قبل الحكومات التي لديها القوة لتغيير السياسات، ولكن أيضاً من قبل مواطنين لديهم الرغبة في تغيير حيوات اللاجئين. ميليباند يدير اليوم «اللجنة الدولية للإغاثة»، وهي منظمة إنسانية عالمية يوجد مقرها في نيويورك، ويكتب في موضوع هو مؤهل جدا للكتابة فيه، ليس فقط بسبب المنصب الذي يشغله، ولكن أيضا لأن والديه، المفكر الماركسي رالف ميليباند وزوجته ماريون كوزاك، لجآ إلى بريطانيا هرباً من النازيين. ميليباند يبدو أكثر إقناعاً عندما يدفع بأفكار خبراء ومختصين بعيداً عن السياسة واعتباراتها، حيث يؤيّد تقديم منح مالية للاجئين متّبعاً في ذلك نموذج «اعطِ مباشرة»، وهي منظمة خيرية تمنح المحتاجين والمعوزين المال، بدلاً من الطعام أو المأوى. ويضم الكتاب مقترحات مماثلة عديدة، من تحسين استخدام البيانات إلى مراقبة تدفق الأشخاص إلى أنواع جديدة من التأمين على الكوارث و«رأسمال الخطر» إلى تمويل تجارب لمساعدة اللاجئين. بيد أن بعض الأفكار التي يضمها هذا الكتاب تطرح إشكاليات، ومن ذلك مثلاً أن ميليباند، الذي يشير إلى إحدى التجارب في الأردن، يؤيّد الفكرة المثيرة للجدل المتمثلة في منح الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين الحق في العمل، وهي فكرة يؤيّدها عالمُ الاقتصاد بجامعة أوكسفورد بول كوليير. لكن كوليير يؤيّد ذلك لأنه يرغب في أن يبقى اللاجئون قريبين قدر الإمكان إلى المناطق التي نزحوا منها، ويُعد من أشد المنتقدين للتوافق الليبرالي الذي يرى أن على البلدان الغنية بكل بساطة أن تحتضن مزيداً من اللاجئين، وهي مقاربة يرى أنها لن تحل الأزمة الأكبر. وبالمقابل، يدفع ميليباند بحجج بليغة دفاعاً عن إعادة توطين عدد أكبر من اللاجئين ومزيد من برامج اللجوء، لكن دون الخوض في المشاكل التي يذكرها كوليير. وفي فصل آخر من الكتاب، يعرب ميليباند عن ندمه ويعتذر عن دعمه لغزو العراق في 2003، واصفاً إياه بأنه كان «أكبر خطأ»، لكنه يفعل ذلك في الغالب في إشارة إلى الأحكام الخاطئة بخصوص أسلحة الدمار الشامل. إذ ليس ثمة أي تفكير في موضوع النزعة التدخلية الليبرالية بشكل عام، وهي نظرية سبق لميليباند أن فعل الكثير من أجل تشجيعها والترويج لها، وفي كيف يمكن أن تكون أسهمت في النزاعات الدموية الكثيرة التي يفرّ منها اللاجئون اليوم. وإلى ذلك، يقول ميليباند، إنه يدفع بـ«حجج من أجل قيادة الغرب لرد عالمي على أزمة اللاجئين»، غير أنه من الصعب رؤية كيف يمكن أن يحدث ذلك بالنظر إلى المعارضة القوية التي يبديها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولعل المشكلة الأكثر إثارة للاهتمام هي تلك المتعلقة بإلى أي مدى تتأثر أزمة اللاجئين نفسها بالقوى الاقتصادية الأعمق. وهنا يلفت ميليباند إلى ما يميز العولمة من تفاوت وعدم استقرار، مصوِّراً اللاجئين على أنهم الضحايا الأوائل لهذا العصر الجديد. رأيٌ ربما كان سيُنظر إليه على أنه ضرب من ضروب الهرطقة السياسية في عهد رئيس الوزراء السابق توني بلير، المناصر لفكرة «الطريق الثالث»، لكن ميليباند لا يتبع ذلك بأي أفكار كبيرة قصد تعديل طريقة اشتغال الاقتصاد العالمي وتقويم الاختلالات. محمد وقيف الكتاب:الإغاثة: اللاجئون والأزمة السياسية لزمننا المؤلف:ديفيد ميليباند الناشر:سايمون آند شوستر تاريخ النشر:2017