على صعيد الليبراليين، أصبح غياب المساواة في الدخل هو القضية الجوهرية في عصرنا، حسب مقولة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وحقيقة أن نسبة واحد في المئة من الأسر يجنون في الوقت الراهن زهاء خمس الدخل ويسيطرون على ثلث الثروة في الولايات المتحدة الأميركية يعتبر دليلاً دامغاً على أن الرأسمالية الأميركية خرجت عن مسارها الأخلاقي. وأما على صعيد المحافظين، فلا شيء يقلق النخبة السياسية أكثر من القوانين الحكومية المشددة التي يعتبرونها تجفف الاقتصاد من الكفاءات والحيوية وتهدد الحرية الفردية. لذا لا عجب في أن أولى الإنجازات الكبرى التي حققها الكونجرس (الجمهوري) الجديد كانت استخدام أحد القوانين غير المشهورة لإلغاء القوانين الجوهرية، التي تم سنّها خلال الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس أوباما. غير أن كتاباً جديداً لاثنين من رهبان السياسة في واشنطن يزعم أن كلا الطرفين محقان، ويعتبر أن القوانين المفرطة وزيادة وتيرة انعدام المساواة في الدخل، هما جزء من الظاهرة نفسها التي أوجدت دائرة خبيثة أضرت بالاقتصاد الأميركي، وأدت إلى تباطؤ الحركة الاجتماعية وأضعفت الديمقراطية الأميركية. ويقول المؤلفان «برينك ليندسي» و«ستيفن تيليز» في كتابها الجديد، «الاقتصاد الأسير»: «إن الأثرياء أصحاب المصالح الخاصة استغلوا القوانين الحكومية المضللة لتوجيه حصة متزايدة من الثروة والدخل إلى أنفسهم، بينما يسرقون اقتصاد ريادة الأعمال». وبتحديد ما يصفونه بـ«النقطة العمياء الحزبية»، يطالبان «المحافظين» بالنظر إلى المخاوف بشأن «انعدام المساواة في الدخل»، ليس فقط كجزء من الحسد الطبقي أو الاستهتار بالأسواق، وإنما «كتهديد للإجماع السياسي لصالح المنافسة والدينامية في الأسواق». وفي الوقت ذاته، يطالبان الليبراليين بالنظر إلى الأثر السلبي للإفراط في القوانين على نحو يجعل الحكومة متورطة في زيادة انعدام المساواة في الثروة والدخل والفرص. واستند «ليندسي»، الباحث الليبرالي لدى مركز «نيسكانين»، و«تيليز»، أستاذ العلوم السياسية اليساري لدى «جامعة جونز هوبكينز»، في فرضيتهما على دراسات حالة لأربعة أنواع مختلفة من القوانين. ويبدآن بدراسة حول القوانين المالية، التي يزعمان أنها أوجدت قطاعاً مالياً مبالغاً في حجمه، بطريقة مهدت الطريق أمام قدر هائل من الإقراض الرخيص للشركات والمستهلكين، وكانت النتيجة هي سوء تخصيص قدر هائل من الاستثمارات والمواهب وسلسلة من الفقاعات والانهيارات المالية التي أضعفت الاقتصاد وجعلته أقل استقراراً، بينما أفضى جلّ ذلك إلى إثراء الممولين. ورغم أن ذلك كان ينبغي أن يكون الجزء الأقوى في الكتاب، لكنه ليس كذلك، ربما لأنه يركز بدرجة كبيرة جداً على السياسات المضللة التي تشجع على امتلاك المنازل وإخفاقات الهندسة المالية وانتصار المضاربة على الاستثمارات طويلة الأجل في «وول ستريت». ويقدم كل من «ليندسي» و«تيليز» دارسة أكثر إقناعاً تشي بأن شركات الأدوية والترفيه والتكنولوجيا العملاقة أسرَت نظام الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، ومددت، من دون حاجة، نطاقها ومدتها، واستغلت إجراءات التقاضي للقضاء على المنافسة والحصول على الفدية من منافسيها، وأفضت الأرباح المفرطة التي جنتها تلك القطاعات إلى إيجاد فجوات هائلة في المداخيل بين التنفيذيين والمهنيين داخل تلك القطاعات ذاتها، وفي بقية أفرع الاقتصاد. أما في الدراسة الثالثة، فيوضح «ليندسي» و«تيليز» أن أنظمة التراخيص أضحت أقل فاعلية بشكل كبير في زيادة جودة الخدمات في تلك القطاعات، وبدلاً من ذلك ترفع الأسعار بشكل كبير بالنسبة للمستهلكين، ومن ثم تزيد دخول أصحاب التراخيص. ويبدو الجزء الأضعف في الكتاب متعلقاً بدراسة قوانين تقسيم المناطق التي حدت من عرض المساكن الجديدة، وهو موضوع يلقى ولعاً كبيراً لدى المدونين من اليمين واليسار في الوقت الراهن، ورغم ذلك من الصحيح تماماً أنه في المدن سريعة النمو ذات الدخل المرتفع مثل سان فرانسيسكو ونيويورك وبوسطن، أدى تقييد توزيع المناطق بشكل كبير إلى منع الاقتصادات المحلية من النمو بوتيرة أسرع، وذلك بارتفاع أسعار المساكن وبجعلها مستحيلة للعمال الذين هم بأمس الحاجة إلى الانتقال إلى تلك المناطق. وائل بدران الكتاب:اقتصاد أسير المؤلفان:«برينك ليندسي» و«ستيفن تيليز» الناشر:جامعة أكسفورد تاريخ النشر:2017