بعد أيام من قبول دولة فلسطين عضواً في الشرطة الجنائية الدولية «الإنتربول» في 27/9/2017، ومن قبل ذلك قبولها عضواً في محكمة الجنايات الدولية، بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «إلى مناقشة خطة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء في الكونغرس للضغط على الفلسطينيين ووقف إجراءاتهم أحادية الجانب في الساحة الدولية، بهدف تعطيل خطوات محاكمة مسؤولين إسرائيليين في المحاكم الدولية، والتحرك باتجاه إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن»، الذي يسميه الفلسطينيون «سفارة». وكل ذلك بحسب قناة «كان» العبرية العامة، والتي أشارت إلى أن «خطة إغلاق مكتب المنظمة استعرضت خلال اجتماع نتنياهو الأخير مع سفير الولايات المتحدة في تل أبيب (ديفيد فريدمان) والمبعوث الأميركي (جيسون غرينبلات) والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة (رون درمر)».. وكلهم يهود وصهيونيون متشددون! في هذا السياق، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية السلطة الفلسطينية بأنها لا تنوي التوقيع على إذن السماح لمكتب التمثيل في واشنطن بمواصلة عمله ما لم تستأنف «السلطة» المفاوضات السلمية مع إسرائيل، وتتوقف عن ملاحقة مسؤولين إسرائيليين لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم أتبعته بالموافقة على بقاء المكتب (السفارة) مفتوحاً وفق قيود محددة: «تقييد نشاطات ممثلية منظمة التحرير في واشنطن لتشمل فقط الشؤون المتعلقة بتحقيق سلام شامل ودائم مع إسرائيل». لكن، ما هي –تحديداً- حكاية مكتب المنظمة في واشنطن؟ معروف أن القيادة الفلسطينية ملتزمة بـ«السلام» وتعمل على دفعه إلى الأمام، وبالتالي ما المرجو من الإجراءات الأميركية؟! يعلم الجميع أن عمل مكتب المنظمة، ومنذ إعلان الرئيس الأميركي عما أسماه «صفقة القرن» لتحقيق صفقة «سلام» تاريخية بين الفلسطينيين وإسرائيل، يزداد نشاطاً وفعالية. لكن الخلل حقيقة، هو في طبيعة العلاقات الأميركية الفلسطينية. فمنذ عام 1979 وحتى اللحظة الراهنة، تعتبر الولايات المتحدة الأميركية منظمة التحرير الفلسطينية منظمة «إرهابية». أما بالنسبة لإدارة ترامب فإنها الإدارة الوحيدة من بين الإدارات الأميركية منذ اتفاق أوسلو عام 1993 بين المنظمة وإسرائيل، التي لم تعلن صراحة عن أن تحقيق «السلام» يقوم على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بل إنها لم تجرؤ على إدانة الاستيطان اليهودي بشكل صريح. بل إن صائب عريقات، أمين سر اللجنة المركزية لحركة «فتح»، قال إن هناك «27 مشروع قرار في الكونغرس الأميركي لمعاقبة الشعب الفلسطيني، على رأسها مشروع قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، وعدم التجديد لمكتب المنظمة، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. وكلها من أجل إزاحة النظر عما تقوم به حكومة (نتنياهو)» من إجراءات وقوانين معادية للسلام. وبالفعل، كانت لجنة العلاقات الخارجية في واشنطن قد مررت، قبل أسابيع، مشروع قانون تتوقف بموجبه مساعدات سنوية قيمتها 300 مليون دولار تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، «إلا إذا أوقفت صرف ما وصفها مشروع القانون بأنها مبالغ مالية تكافئ منفذي أعمال عنف ضد مواطنين إسرائيليين وأميركيين». وفي تحرك مواز، طلب 16 عضواً جمهورياً وديمقراطياً باللجنة من مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة (نيكي هيلي) أن «تقود جهوداً دولية لتتخذ دول أخرى إجراءات مماثلة». ومن المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية تمنح 500 مليون دولار للسلطة الفلسطينية سنوياً. وفي حال أصبح التشريع نافذاً سيتم منح السلطة 60 مليون دولار فقط، والتي هي، أصلاً، مخصصة للتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. الابتزاز الأميركي ليس جديداً من حيث المبدأ. فكل الإدارات الأميركية السابقة مارست الابتزاز مع الفلسطينيين، لكن الجديد أن إدارة ترامب لم تتردد في إعلان الغرض الحقيقي من هذه الخطوة. وفيما كانت الضغوط الأميركية على منظمة التحرير تتم بالتناوب بين البيت الأبيض والكونغرس، فاليوم كلا الطرفين يمارسان الضغوط. وبهذا يكون المبتغى الأميركي إرغام القيادة الفلسطينية الرسمية على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وفق الشروط الإسرائيلية وعلى رأسها عدم تجميد الاستيطان. ومع أننا نعلم أن أي إدارة أميركية لن تكون وسيطاً نزيها بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن إدارة الرئيس ترامب ذهبت وتذهب خطوات أبعد في هذا الاتجاه! فالعالم يشهد أن الفلسطينيين يؤكدون دائماً استعدادهم وجاهزيتهم لخوض مفاوضات جادة من أجل تحقيق السلام على قاعدة «حل الدولتين»، فيما إسرائيل هي من تعرقل جهود تحقيق السلام، وإن كان هناك من تجب معاقبته فهي إسرائيل وليس الفلسطينيين. وفي هذا السياق، تكفي الشهادة الأخيرة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي السابق (جون كيري). ومن اللافت أن الإجراءات الأميركية الأخيرة لا تنسجم مع ما يتحدث به الرئيس ترامب، بهدف تحقيق «صفقة القرن» والتي تشير التسريبات إلى أنها ستشمل القدس المحتلة واللاجئين وحق العودة والمستوطنات. لذا، لا بد من إعادة النظر في مجمل العلاقة الأميركية الفلسطينية، فلا يمكن لترامب التحدث عن اتفاق تاريخي ثم يخرج بهكذا قرارات لعقاب الفلسطينيين وابتزازهم، فيما حكومة نتنياهو مستمرة في مقارفاتها من استيطان وسرقة أراض وتهجير عرقي وقمع ممنهج... إلخ. أما إذا كان القصد الأميركي الإسرائيلي هو إخراج الفلسطينيين من المعادلة ومن ثم طرح ما يريدون دون موافقة الفلسطينيين، فهو أمر غير مقبول من المجتمع الدولي. وفي نهاية الأمر، يبقى الفلسطينيون هم المعنيون في المقام الأول بأي اتفاق سلام، ومن ثم العرب، ومن بعدهم العالم.