نتكلم هنا عن قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سبعين عاماً وبالتحديد في 29 نوفمبر 1947. هناك عدة زوايا للرؤية يتطرق منها الباحثون لهذا القرار. معظم السياسيين والباحثين الإسرائيليين اعتبروا القرار بمثابة شهادة الميلاد السياسي لدولة إسرائيل التي قام دافيد بن جوريون بإعلانها بعد ستة أشهر ونصف من صدور القرار في 14 مايو 1948. لقد وافقت على القرار 33 دولة (بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وفرنسا)، أي غالبية الدول الأعضاء في الجمعية العامة، على تخصيص مساحة 14 ألف كيلو متر مربع، أي 54% من الأرض الفلسطينية لإقامة دولة لليهود الذين كان تعدادهم قد وصل إلى ستمائة ألف نسمة. أما الساسة والباحثون اليهود اليمينيون فاعتبروا القرار كارثة، لأنه لا يلبي أطماعهم في إقامة دولة إسرائيل الكبرى على كل أرض فلسطين. كان بن جوريون زعيم المعسكر الصهيوني اليساري، يتمتع بذكاء سياسي يفوق مناحيم بيجين زعيم الجناح اليميني، ليدرك أن الدول الكبرى في حينه لن توافق لليهود على أكثر من قسم من فلسطين وبالتالي قبل القرار. أما السياسيون والباحثون العرب فرأوا في القرار آنذاك ظلماً فادحاً للشعب العربي في فلسطين، وكان هناك تصميم عربي جماعي على أن تكون في فلسطين دولة واحدة ديمقراطية تتسع لكل سكانها من اليهود والعرب الذين كان تعدادهم قد بلغ مليوناً وثلاثمئة ألف نسمه. رفضت الدول العربية قرار التقسيم الذي خصص للدولة العربية مساحة 11 ألفاً ونصف كيلو متر مربع، ورفضته القوى السياسية والزعامات الفلسطينية، واندلعت المناوشات العسكرية على الأرض الفلسطينية بين العرب واليهود لتصل ذروتها في أبريل 1948، حين اعتمد بن جوريون الخطة «د» الهادفة إلى إجبار السكان العرب على الرحيل، وذلك بارتكاب مذابح مروعة في قراهم، كما حدث في مذبحة دير ياسين الشهيرة، بغية إخافة السكان. في 14 مايو 1948، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، أعلن بن جوريون إقامة دولة إسرائيل فاندفعت الجيوش العربية إلى فلسطين واندلعت الحرب. لم تدرك الدول العربية موازين القوى الدولية ولا ثقل الدول العظمى التي تؤيد إقامة دولة يهودية، وبالتالي وقعت الصدمة عند العرب عندما أوقفت هذه الدول العظمى الحرب وفرضت هدنة مرتين لتوقف الجيوش العربية عن استكمال الانتصار الذي كانت حققته في ميادين القتال. أثناء الهدنتين تم تعزيز القوات اليهودية بالرجال والسلاح من خارج فلسطين وعندما تجدد القتال كانت موازين القوى تتغير لصالح اليهود، حتى انتهت الحرب باستيلاء اليهود على نسبة 78% من أرض فلسطين بعد أن كان المخصص لهم في قرار التقسيم نسبة أكثر من النصف بقليل. واستكملت إسرائيل احتلال فلسطين بالكامل في حرب يونيو 1967، واليوم نسمع أنصار فكرة «أرض إسرائيل الكبرى» من معسكر اليمين الإسرائيلي يرددون شعار «بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي دولة إسرائيل»، وهذا المعسكر هو الذي يحاول القادة العرب اليوم مع الرئيس ترامب الضغط عليه ليقبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة وغزة. لقد خفتت اليوم في الساحة السياسية الداخلية في إسرائيل أصوات معسكر اليسار الذي كان يمثله حزب الماباي برئاسة بن جوريون عام 1948 الذي قبل قرار التقسيم, وهو نفس المعسكر الذي تحول إلى حزب العمل الذي كان مستعداً في التسعينيات برئاسة الجنرال إسحق رابين ثم إيهود باراك للتسوية الشاملة بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة أي على مساحة 22% من أرض فلسطين مع تبادل لبعض الأراضي. الملاحظ أن السياسيين اليمينيين في إسرائيل يستعيدون في كل مناسبة ذكرى قرار التقسيم عندما يطالبهم أحد بإقامة الدولة الفلسطينية ليدللوا على أن اليهود قبلوا قيام الدولة الفلسطينية بناءً على قرار التقسيم عام 1948، في حين أن من رفض هذه الدولة هم الفلسطينيون والعرب. طبعاً يسقط هؤلاء اليمينيون حقيقة أن العرب كانوا في عام 1947 يدعون لدولة ديمقراطية تتسع لليهود والعرب معاً ولا تقوم على التمييز العنصري، وهو ما ينفي أن رفض العرب لقرار التقسيم يعني رفض قيام دولة فلسطينية ديمقراطية.