قدّم الزعيم الإيراني الخميني خدمة إلى كافة الشعوب الإسلامية ولكن من دون قصدٍ منه، حين عرّف نظرية الحاكمية بطريقة عملية من خلال تنصيب نفسه الولي الفقيه، وأعطى النموذج المثالي لمصير أي بلد يقع بيد الإسلاميين. فمنذ سنة 656 ميلادية حين اعترض من صاروا بعد ذلك الخوارج على التحكيم ونادوا «أنْ الحكم لله»، وإلى أن جاء سيد قطب وأبرز مفهوم الحاكمية في حدود سنة 1965، كانت هذه الفكرة مبهمة يصعب تصوّرها.. فكيف يكون الحكم لله عملياً؟! وكيف تكون الحاكمية لله وحده في حياة البشر ما جلّ منها وما دقّ وما كبر منها وما صغر، كما قال قطب؟! وبقيت هذه الفكرة صعبة التصوّر على الأرض زهاء ثلاثة عشر قرناً إلى أن جاءت سنة 1979، حين نصّب الخميني نفسه الولي الفقيه، فالحاكمية في النهاية هي أن يحكم رجل الدين، باعتباره الأكثر فهماً ووعياً بمراد الدين، والخميني اختصر ذلك المشوار الطويل من التلاعب بالكلمات بمصطلح «ولاية الفقيه»، وربما كان الفارق الوحيد أن ولاية الفقيه نيابة عن الإمام الغائب، بينما الحاكمية تمثيل مباشر لـ«الإرادة الإلهية»، وليس هناك إمام غائب في الموضوع. هذه كانت الخدمة الأولى التي قدّمها الخميني للمسلمين، ولعل الخدمة الثانية كانت أكبر، وهي إعطاء النموذج المثالي لحكم الإسلاميين، فرغم أن هناك نماذج فاشلة أخرى، لكن القوم يعزون فشل تجاربهم لأسباب خارجية، ففشلوا في مصر بسبب «الثورة المضادة»! وفشلوا في غزة بسبب ظروف الاحتلال، وفشلوا في أفغانستان بسبب التدخل الأميركي، وفشلوا في السودان بسبب قلة الموارد، وهكذا يلقون باللائمة على كل شيء إلا على بؤس أفكارهم. أما نموذج حكم الإسلاميين في إيران، فقد توافرت له كافة ظروف النجاح، فقد تسلّموا بلداً ناجحاً وفق الكثير من المعايير، مع موارد طبيعية هائلة، وفرصة حكم طويلة، وكانت النتيجة شعباً لا يمتلك حتى حرية الملبس، أو استخدام موقع مثل «تويتر»، مشتبه فيه في مختلف مطارات العالم إلى أن يثبت العكس، ويعاني الفقر والجوع وانتشار البطالة والمخدرات والدعارة وبيع الأطفال والأعضاء البشرية، حتى لم يعد هناك أمل ولا مستقبل إلى أجيال قادمة. أما في الخارج، فقد تعاظم نفوذ نظام الخميني، ليس بشكل ثقافي أو حضاري، وإنما على حساب ملايين الأبرياء في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فضلاً عن كلفة هذا التمدّد على الشعب الإيراني نفسه، بل والأخطر من كل هذا، أن ترميم علاقاتهم بجيرانهم بعد كل ما جرى يحتاج إلى قرون طويلة. وكل ما اقترفه هذا النظام في حق شعبه وشعوب الدول المجاورة لا علاقة له بالمذهب الذي يعتنقه قادته، ليجد الإسلاميون في اختلاف المذهب فرصة للتملّص من تشابه أفكارهم مع أفكار الخمينيين، ذلك أن الحكم وفق مبدأ ولاية الفقيه أو وفق مبدأ الحاكمية نهايته واحدة، وهي أن تكون الكلمة الأخيرة لرجل الدين، سواء أكان سنياً أم شيعياً أم حتى من دين آخر. كما أن الفشل الذي يتولد‏? ?من? ?حكم? ?رجال? ?الدين، ? ?لا? ?علاقة? ?له? ?باعتقاداتهم? ?الدينية? ?أو? ?المذهبية، ? ?فكما? ?أن? ?الخمينوية? ?مهووسة? ?بتصدير? ?ثورتها? ?إلى? ?العالم، ? ?وهذا? ?الهوس? ?أدى? ?إلى? ?الفظائع? ?التي? ?نراها، ? ?فإن? ?الحاكمية? ?أيضاً? ?تدعو? ?إلى? ?إعلاء? ?كلمة? ?الله? ?-بطريقتهم- ?على? ?الأرض.?