خلال هذا الأسبوع، صادق الرئيس الفلبيني رودريجو ديوتيرتي على إعلان يضع حداً لعملية السلام التي كان يخوض محادثاتها مع ائتلاف «الجبهة الديمقراطية الوطنية» التي يقودها الحزب الشيوعي. وإذا كان من المبكر جداً الحديث بشكل دقيق عما يمكن أن يترتب على هذا التطور من تأثير على أطول حالة تمرّد عرفتها آسيا، فإن هذا الإعلان بحد ذاته يحمل أيضاً في طياته فكرة دقيقة عن أسلوب إدارة الرئيس ديوتيرتي في حكم الفلبين. وعلى رغم صدور تصريحات سابقة عن تعليق المحادثات ذات الصلة بعملية السلام، فإن الإعلان الذي وقعه ديوتيرتي يوم 23 نوفمبر يُعدّ شيئاً مختلفاً لأنه يغلق الأبواب تماماً وبشكل نهائي أمام أي احتمال لإعادة استئناف تلك المحادثات. وهذا يعني بكلمة أخرى أن الإعلان يمثل نهاية قطعية لعملية السلام للمرة الأولى منذ عام 1999 عندما أصدر الرئيس الأسبق جوزيف إسترادا توصية مشابهة، وأطلق حرباً شعواء ضد الثوار الشيوعيين الذين ينتمون لحركة مسلحة تعرف باسم «جيش الشعب الجديد». وكانت هذه الحركة ذات الميول الماويّة (التي تتبع التعاليم الشيوعية للزعيم الصيني ماو تسي تونج) قد خاضت واحدة من أطول حركات التمرد التي شهدتها قارة آسيا. وفي بداية الأمر لقيت ترحيباً شعبياً خلال فترة النضال ضد الديكتاتورية في سنوات عقد السبعينيات بعد إعلان الرئيس الأسبق فرديناند ماركوس فرض الحكم العسكري. وانطلقت أول جولة محادثات بين «الحمر الشيوعيين» والحكومة في عام 1986 بعد عزل ماركوس، إلا أن الحكومات المتعاقبة التي أتت بعد ذلك فشلت كلها في إقناع الثوار بتوقيع اتفاقية سلام نهائية. وكانت هناك توقعات قوية بأن تتمكن حكومة ديوتيرتي من إنهاء تمرد ثوار «جيش الشعب الجديد» بسبب العلاقات القوية التي كانت تربطه مع أحزاب اليسار عندما كان عمدة لمدينة «دافاو» التي تقع جنوب الفلبين. ولكن سرعان ما تلاشت هذه الآمال حتى بعد أن أدت أربع جولات من المحادثات بين الحكومة وممثلي «الجبهة الديمقراطية الوطنية» عام 2016 إلى إحياء الآمال بالتوصل إلى اتفاقية للسلام، إلا أن ديوتيرتي أعلن عن تعليق المحادثات في شهر فبراير الماضي بعد أن قرر «جيش الشعب الجديد» إنهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد بدعوى التأخر في التوصل إلى اتفاق سلام. وعلى رغم ما حدث، فقد واصل دعاة السلام جهودهم لحث الطرفين على إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، وكان مما يشجعهم على ذلك حدوث تقدم مهم في بعض القضايا العالقة. ومنها مثلاً أنه على رغم توقف المحادثات، فإن الحكومة و«الجبهة الديمقراطية الوطنية» المعارضة اتفقتا من حيث المبدأ على تأييد فكرة توزيع الأراضي على صغار الفلاحين، وهو توجّه مهم لأن الغالبية العظمى من مقاتلي «جيش الشعب الجديد» هم من المزارعين والسكان الأصليين الذين يسكنون القرى النائية. وبصرف النظر عن الشتائم التي تكال بين الحين والآخر ضد «جيش الشعب الجديد»، فإن ديوتيرتي لم يعبر عن أي اهتمام على الإطلاق بالوصول بعملية السلام إلى النهاية المرجوّة. وخلال الأسبوع الماضي، انتابته حالة من الغضب الشديد عندما نما إليه خبر يفيد بأن طفلاً رضيعاً قتل خلال كمين نصبه مقاتلون من «جيش الشعب الجديد». ووضع هذا الحادث نهاية لمحادثات السلام ودفع بالرئيس ديوتيرتي إلى وصف حلفائه السابقين بأنهم «إرهابيون». وقبل الإعلان رسمياً عن وقف المحادثات، أوضح كبير المفاوضين الحكوميين أن الاجتماعات المبرمجة مع «الجبهة الديمقراطية الوطنية» ألغيت كلها. وهذا يعني أنه كانت هناك محادثات غير رسمية بين الطرفين تتعلق بأسلوب التفاوض من أجل إنجاح عملية السلام. وفيما بعد، أكدت «الجبهة» أن الجولة الخامسة من المحادثات قد بُرمجت بالفعل هذا الشهر، وأن سلسلة اتفاقات تتعلق بالسجناء السياسيين والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي كانت جاهزة للتوقيع. واتهم مسؤولون في «الجبهة» الرئيس ديوتيرتي بتقويض كل الجهود التي بذلت لإنجاح عملية السلام، وجاء في بيان صادر عنهم أن الجبهة لم تهدد في أي يوم من الأيام بإجهاض عملية السلام على رغم سجلّ ديوتيرتي وممارساته الفظيعة المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان وفشله في الوفاء بوعوده التي قطعها أثناء حملته الانتخابية لمنصب الرئاسة بالتوصل إلى السلام. وتعهدت الجبهة بالتصدي لأوامر ديوتيرتي بإطلاق هجوم واسع النطاق ضد كل من يشتبه بتعاطفه مع الشيوعيين. ويبقى من المهم الإشارة إلى أن الشيء الذي يقلق الغالبية العظمى من الشعب الفلبيني هو الإعلان المتكرر من قبل ديوتيرتي وحلفائه المقربين أنه بصدد تشكيل حكومة ثورية لحل المشاكل التي تعاني منها الفلبين. ويتوجس بعض المحللين من أن يكون ذلك تعبيراً عن رغبته في تحويل الفلبين إلى دولة فيدرالية. وهناك احتمال آخر بأن يكون بصدد تنفيذ سيناريو لتأسيس ديكتاتورية شبيهة بتلك التي أسسها ماركوس من قبله. مونج بالاتينو: عضو في الكونجرس الفلبيني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز نيوز سرفيس»