من المهم أن يبدأ فريق من الباحثين السياسيين العرب المختصين في شؤون الصراع والتسوية في إجراء حسابات سياسية حول قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فالحسابات الهادئة والعلمية تصبح إحدى الضرورات اللازمة لصناع القرار في العواصم العربية للتعامل مع الموقف الجديد بما يحقق للعرب أكبر قدر من مطالبهم في وضع عسير ناتج عن وجود رئيس أميركي أقدم على عمل أحجم عنه كل من سبقه من الرؤساء. جميع الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه كانوا يقومون طوال فترات حكمهم وكل ستة أشهر بتأجيل تنفيذ القرار الملزم للرئيس، الذي أصدره الكونجرس عام 1995 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. دعونا أولاً نفحص على وجه السرعة نوع ردود الأفعال على قرار ترامب. لقد توالت ردود الفعل المحملة بالتحذيرات من العواصم العربية والدولية فور إعلان المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني مساء يوم الثلاثاء الماضي أن الرئيس الأميركي ترامب أبلغ محمود عباس أنه عازم على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. أما في إسرائيل المستفيدة من القرار، فلزم جميع الوزراء الصمت وذكرت صحيفة «هآرتس» أن الرئيس ترامب طلب من نتنياهو وهو يبلغه القرار أن ينبه على وزرائه بعدم التعليق. جاءت التحذيرات العربية من القاهرة والرياض وأبوظبي والعاصمة الأردنية عمّان تدعو ترامب إلى التراجع عن قراره وتعتبره إخلالاً بدوره كوسيط في عملية السلام المتوقعة، وترى فيه انحيازاً أميركياً إلى إسرائيل في إحدى قضايا التسوية النهائية. هذا في حين طالب الرئيس الفرنسي والاتحاد الأوروبي بأن يتم تقرير وضع القدس من خلال المفاوضات كما هو متفق عليه في اتفاقية أوسلو. في مقابل كل هذه التحذيرات قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس ترامب كان قد أوضح من البداية أن السؤال لا يتعلق بما إذا كان سينقل السفارة، ولكن متى سيتم نقلها. إذا حاولنا هنا القيام بحساب سياسي أولي وتمهيدي فلا بد أن نتوقف عند رد الفعل الفلسطيني الذي جاء على لسان نبيل شعت مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدولية، حيث أعلن أنه إذا صدر القرار فإن صفقة القرن التي تحدث عنها ترامب لن تتحقق وأن ترامب سيفقد دوره كوسيط للسلام بين العرب وإسرائيل. إن هذا الموقف الفلسطيني كان يمكن أن يصبح وسيلة للضغط على ترامب للتراجع عن قراره ويعبر عن التوجه الفعلي الذي تنتوي الرئاسة الفلسطينية انتهاجه. في الحالة الثانية فإن سؤالاً جوهرياً يبرز أمامنا، وهو ما البديل الذي ستتبناه القيادة الفلسطينية إذا قطعت علاقتها بإدارة ترامب. لقد تحدث بعض المسؤولين الفلسطينيين عن القيام ببعض الإجراءات التي كانوا يمتنعون عنها بناء على طلب ترامب مثل اللجوء للأمم المتحدة ومقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة العدل الدولية ومثل القيام بانتفاضة شاملة ضد قوات الاحتلال تحت عنوان انتفاضة القدس. هنا علينا رغم غضبنا من قرار ترامب الذي ينتهك القانون الدولي، ويتجاهل أن القدس الشرقية جزء من الضفة الغربية المحتلة ويسقط حق العرب والمسلمين في السيادة على القدس الشرقية أن نتوقف بتمهل لنجري حساباً للربح والخسارة لفكرة قطع العلاقات الفلسطينية الأميركية واللجوء للأمم المتحدة والانتفاضة. إن الربح في هذه الحالة سيتمثل في ازدهار حالة من التأييد السياسي والمعنوي والشعبي الأوروبي والروسي والعربي والإسلامي للفلسطينيين مثل تلك الحالة التي تحققت أثناء انتفاضة الأقصى عام ألفين بعد فشل مشروع كلينتون للتسوية الذي اجتمع حوله مع ياسر عرفات وإيهود باراك في قمة كامب ديفيد الثانية.. لا شك أن لهذا التأييد مذاقه العذب عند أصحاب القضية غير أن النتائج العملية لهذه الحالة من التأييد أمر آخر.