في تحذير صارخ وخطير، صرحت «ليزا سفنسن» مسؤولة أعالي البحار والمحيطات في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن كوكب الأرض يواجه أزمة غير مسبوقة، بسبب التلف الدائم - وغير القابل للإصلاح أبداً- الذي تتعرض له حالياً الحياة والبيئات البحرية، بسبب ملايين الأطنان من البلاستيك التي تلقى أو تجد طريقها إلى شواطئ البحار والمحيطات. ولفهم أبعاد هذه المشكلة -أو بالتحديد الأزمة- يجب أن نتوقف في البداية عند حجم الإنتاج العالمي من البلاستيك ومشتقاته، ومنتجاته بأشكالها المختلفة، منذ أن أصبح البلاستيك مكوناً شائعاً في الاستخدامات اليومية منذ ستة أو سبعة عقود. ففي خلال هذه العقود، يُقدر حجم ما أنتج من البلاستيك بنحو 8.3 (مليار طن)، نتج عنها 6.3 مليار طن من النفايات، تم تدوير وإعادة استخدام 9 % منها، بينما تم حرق 12 %، وتبقى 79 % منها، أو ما يقارب من خمسة مليارات طن، لا زالت قابعة في مكبات النفايات وفي البيئات الطبيعية. والمشكلة في البلاستيك -ومن ميزاته وخواصه التي جعلته واسع الاستخدام- هو قدرته على البقاء والصمود أمام العوامل الطبيعية، كونه مادة غير عضوية، لا يمكن للبكتيريا أن تتغذى عليه وأن تحلله لمكوناته الأصلية. فعلى سبيل المثال، يمكن لكوب «الستيروفوم» المستخدم في بعض محلات القهوة والشاي أن يستغرق 50 عاماً قبل أن يتحلل تماماً، أما زجاجات المياه البلاستيكية، فتستغرق 450 عاماً، وفي حالة البلاستيك المستخدم في خيوط الصيد (شعر الصيد)، فقد تستغرق أكثر من 600 عام. وإذا خصصنا الزجاجات البلاستيكية، لغرض الاستخدام الواحد، فيكفي أن نعلم أن الإنتاج السنوي يبلغ 480 مليار زجاجة، تنتج وحدها شركة «كوكاكولا» منها 110 مليارات زجاجة سنوياً. وحالياً يتم شراء واستهلاك مليون زجاجة بلاستيكية في الدقيقة الواحدة، أو 20 ألف زجاجة في الثانية الواحدة. يتم تدوير وإعادة استخدام 50 % فقط من مليارات الزجاجات تلك، بينما تظل الـ50 في المئة الباقية -240 ملياراً- قابعة في مكبات النفايات، يصل جزء لا يستهان به منها إلى البيئات البحرية. وحسب دراسة نشرت عام 2015 في إحدى الدوريات العلمية المرموقة (Science)، وتم فيها مسح واستقصاء شواطئ 192 دولة، احتلت الدول الآسيوية 13 موقعاً في قائمة العشرين دولة الأكثر تلويثاً للبحار والمحيطات بالبلاستيك. وإن كان رأس هذه القائمة قد احتلته الصين، كأكبر مساهم على الإطلاق في التلوث البلاستيكي للبحار والمحيطات، كما احتلت الولايات المتحدة موقعاً أيضاً في قائمة العشرين دولة الأكثر تلويثاً، وتميزت الولايات المتحدة بأن المواطن الأميركي هو الأكثر تلويثاً في العالم على صعيد مقدار التلويث الفردي. ومن منظور الصحة البشرية، وبعد مرور سنوات وعقود من التعرض للشمس والمياه المالحة، يتكسر البلاستيك إلى أجزاء صغيرة جداً تعرف بالميكرو-بلاستيك (Micro-plastic) دون أن تذوب تماماً، لتدخل في السلسلة الغذائية للأسماك، لتختزن في أجسامها، قبل أن يتم صيدها وتناولها من قبل الإنسان. وهو ما يعني أن لحم الأسماك، حتى تلك النوعيات الفاخرة التي يتم الحصول عليها من أعالي البحار، تحمل في داخلها جزيئات متناهية الصغر من البلاستيك، تصل بعد تناولها إلى الجهاز الهضمي للإنسان هو الآخر. ورغم أن التأثيرات الصحية بعيدة المدى لتناول الإنسان للبلاستيك لا زالت غير معروفة، فإن الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، حذرت عام 2016 من ارتفاع المخاطر الصحية على الإنسان، وعلى السلامة الغذائية، بسبب احتمالات تلوث لحوم الأسماك بجزيئات الميكرو-بلاستيك. وحتى إذا ثبت أن تناول الإنسان لجزيئات البلاستيك لسنوات وعقود لا يؤثر سلباً على حالته الصحية، وهو سؤال لم تتم الإجابة عليه بعد بشكل قاطع حتى الآن، فمن المؤكد أن لا أحد يرغب أن تنفق الكائنات البحرية من حوله اختناقاً بمخلفات البلاستيك، أو أن يتناول هو وعائلته لحوم أسماك مطعمة بجزيئات الميكرو-بلاستيك.