في إسرائيل، ثمة أربع مجموعات متباينة من الردود بشأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل». الأولى، تلك التي حذرت بشدة من القرار وتبعاته على الأرض باعتباره يؤجج الصراع ويلغي احتمالات استئناف المفاوضات، فيما تناولت الثانية القرار بنتائجه السياسية، وهل كان ترامب مجبراً عليه، في حين رحبت وأشادت مجموعة ثالثة بالقرار على رأسهم بالطبع كُتّاب «اليمين المتطرف»، أما المجموعة الرابعة، فهي التي اعتبرت أن ترامب قدم هدية مسمومة لإسرائيل تغرقها بالعسل، ومن ثم وبعقلية التاجر التي يملكها، سيطلب المقابل منها، وأن هذه الطريقة الوحيدة ليمرر ما يريده. والأمثلة على هذه المجموعات عديدة، لكننا نكتفي بذكر مثلين أو أكثر للتدليل. بالنسبة للمجموعة الأولى، كتب المحلل (حيمي شاليف) يقول: «يمكن لهذا القرار إشعال حريق محلي وإقليمي يضر بالمصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط. والقرار من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف تضعضع مؤسسات السلطة، التي استثمرت الكثير في تطوير علاقاتها مع ترامب. هذا القرار من شأنه أن يسفك دماء الكثيرين». من جانبه، كتب (نير حسون): «هنالك خوف من أن الإهانة السياسية ستترجم إلى إهانة دينية – الأمر الذي من الممكن أن يشعل ناراً كبيرة». وكتب (ناحوم برنياع): «إن تأثير الخطاب لن يكون في الأقوال، بل في الطريقة التي يفهمها بها الطرفان. الفلسطينيون كفيلون بأن ينجروا إلى اليأس والعنف». من جهته، كتب (إيتان هابر): «من شأن النتيجة أن تكون هدامة – بل التدهور إلى العنف والحرب.. ولكننا نحن، الذين كنا دوماً تلاميذ فائقين للتاريخ، علينا أن نتعلم منه: فالحروب لا تندلع فقط بسبب نزاعات الحدود، بل وأيضاً على الرموز والصور. ولا توجد رموز وصور أقوى – أو مختلف عليها – كالقدس». ومن الأمثلة عن المجموعة الثانية، ما أوردته صحيفة «هآرتس» باسم أسرة تحريرها حيث اعتبرت «القرار بمثابة تجاهل للتطلعات الفلسطينية، ولا يستوي مع تطلعات حل الصراع»، وتساءلت باستغراب: «ليس واضحاً كيف يستوي تطلع الرئيس ترمب لحل الصراع الطويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وخطوات أحادية الجانب في صالح مصالح طرف واحد فقط، ولا سيما في مسألة مركزية ومشتعلة بهذا القدر. إذا كان ملحاً لترامب أن يفي بوعده لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، أو على الأقل الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، فيجمل به أن يفعل ذلك في إطار اعتراف متساوٍ أيضاً بمطالب الفلسطينيين فيها». أما الصحفي (تسفي بارئيل) فكتب «يجدر بترامب أن يوضح عن أي قدس يتحدث.. إذا أعلن أيضاً أنه يعترف بكل مساحة القدس الأصلية، التي تم ضمها إلى عاصمة إسرائيل. ترامب سيقرر، وإسرائيل ستقوم بجمع الشظايا.. يجب الاعتراف أن ترامب لم يقتل العملية السلمية. هو وقف على قبرها، وتفاخر بأنه هو فقط الذي تجرأ على الإعلان عن موتها». أما المحلل (أفيعاد كلاينبرغ) فكتب: «السؤال الناشئ في موضوع الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل. كم يساوي لنا هذا الرمز؟ من ناحية عملية لا شيء سيتغير في أعقاب نقل السفارة الأميركية مثلاً. موقف الولايات المتحدة من إسرائيل، لن يصبح أفضل بشيء الآن». وقال المحلل (يوآف فرومر) إنه «بدلاً من» الصفقة التاريخية، بين إسرائيل والفلسطينيين، كما وعد ترامب فعلها، فيخيل أن ترامب تنازل عن الحقيقة القاسية المليئة بالتحديات، والمرتبطة بمفاوضات سياسية، لصالح بيانات فارغة». المجموعة الثالثة، كثرت آراؤها في صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية المتطرفة التي تنطق باسم (نتنياهو)، حيث رحبت مقالاتها بقرار (ترامب). فمثلاً، كتب (يورام أتينغر): «عدم نقل السفارة يفسر كاستسلام أميركي للضغط العربي، الخوف من الإرهاب، وتبني الانبطاح الأوروبي، في ظل التآكل في صورة الردع الأميركي، وهو حرج للأمن القومي الأميركي ولاستقرار العالم». وكتب (مئير عوزيئيلي) في «معاريف»: «ما منع انتقال السفارة الأميركية إلى القدس حتى الآن هو الخوف من الإرهاب العربي، وهو أيضاً ما يوجه خطانا نحن أيضاً. أما ترامب فجاء ليحطم هذا الحاجز وينطلق من المنطق والمبادئ». المجموعة الرابعة، عبر عنها المحلل العسكري (رون بن يشاي) حيث كتب: «من المحتمل أن هدف إعلان ترامب هو التحضير لاحتمال أن يعلن لاحقاً أموراً تلاقي استحساناً أكبر لدى الفلسطينيين تحديداً، وحينها ستضطر إسرائيل إلى ابتلاع ما يقوله بصمت لأنها سبق أن حصلت على ما تريده». أما (ألوف بن دافيد) فقال: «ينبغي للمرء أن يكون أعمى كي لا يرى الخطوة التي يطبخها هنا. يمكن الافتراض أن ترامب شرح لزعماء العالم العربي و«أبومازن» بأنه لا يعطي إسرائيل قطعة حلوى مجانية، بل لا بد سيجبي عليها المقابل. والاعتراف بالقدس يبدو كخطوة تأتي لتخفيف حدة ما سيأتي لاحقاً، حلوى قبيل القرص المرير الذي سيتعين على إسرائيل أن تبتلعه في مسودة الاتفاق الذي سيعرضها ترامب قريباً». وآخر الأمثلة يتجلى فيما كتبه (عميرام لفين): «ينبغي الترحيب بمثل هذا الاعتراف الأميركي، ولكن من المهم أن نتذكر بأنه في منظومة العلاقات الدولية لا توجد هدايا مجانية. ينبغي الافتراض بأن الحديث يدور عن خطوة أولية قبيل عرض خطة سياسية أوسع... على نتنياهو أن يرى ذلك، وإلا فإن احتفاله بالنصر سيكون قصيراً جداً».