قبل أيام، وتحديداً في آخر يوم من العام المنصرم 2017، صوت «الليكود» (الحزب الحاكم في إسرائيل) بالإجماع لصالح مشروع قرار ضم كل المستوطنات إلى الدولة الصهيونية، وينص هذا القرار على السماح بالبناء الحر وتطبيق قوانين إسرائيل وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى توجيه انتقادات للإدارة الأميركية، معتبراً أنه «لولا دعمها المطلق» لما تجرأ «الليكود» على اتخاذ هذا القرار، فيما اعتبرته الفصائل الفلسطينية «إمعاناً في العدوان والاغتصاب للحق الفلسطيني والعربي، وتحدياً للإرادة الدولية». ومعلوم أنه منذ اتفاقات أوسلو فإن الرؤساء الأميركيين قد دعوا إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن بخطاب سياسي قوامه ازدواجية المعايير في طروحاتهم وخططهم، مع وعود لفظية للفلسطينيين متواكبة مع ضمانات فعلية لإسرائيل دون ضغوط. وأخيراً، جاء دونالد ترمب ليعلن صراحة أن القدس عاصمة «إسرائيل»! وبسبب المواقف الأميركية، سارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وحتى اليوم، في مسارات متوازية تؤكد كلها على رفض «الدولة الفلسطينية»: بناء جدار الفصل العنصري، تسريع وتيرة الاستيطان، الاعتراف بـ«إسرائيل دولة يهودية»، والقدس عاصمة موحدة لـ«دولة إسرائيل»، والتشبث بالتنازل عن حق اللاجئين في العودة. ومؤخراً، حين سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في معهد البحوث «تشاتهوم هاوس» في لندن، عن إمكانية قيام الدولة الفلسطينية، أجاب: «لقد رأينا الكثير من الدول الإسلامية في الشرق الأوسط قد فشلت وينبغي إعادة النظر في نموذج السيادة الحديثة عديمة الحدود (بمعنى أنه لا حاجة للاستناد إلى حدود 1967 بعد اليوم)». وعن هذا الرد، يقول «يوعز هندل» في مقال بعنوان «وهم الدولة الفلسطينية: كفانا كذباً على أنفسنا»: «لعله بدا للجالسين في القاعة (في «تشاتهوم هاوس») كتملص نموذجي آخر من التقدم نحو الدولة الفلسطينية، لكن كانت هناك لحظة صفاء للحقيقة». ثم يتابع: «منذ خطاب جامعة بار إيلان الذي فُرض عملياً على نتنياهو من الرئيس أوباما، تكذب إسرائيل على نفسها وتكذب على العالم. لا يوجد رئيس وزراء يؤمن بالعودة إلى خطوط 1967 مع تعديلات حدودية طفيفة. لن يكون حل كهذا حتى ولو فقط بسبب القيود المعروفة للقدس، اللاجئين والمستوطنين. ولا يوجد زعيم فلسطيني يوافق على الاكتفاء بدولة تقوم على أقل من هذا (أي حدود 1967). هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يوافق عليها الجميع». إسرائيلياً، من الأسئلة المركزية المطروحة: هل بمقدور أي رئيس وزراء إسرائيلي القبول بقيام دولة فلسطينية، علماً بأن ذلك يعني بالضرورة إنهاء احتلال إسرائيل واستعمارها لكل أراضي الضفة الغربية، وهدم جدار الفصل العنصري، وتفكيك المستوطنات مع تسريع الاعتراف بالحقوق الأساسية لفلسطينيي 48 في المساواة الكاملة؟ في هذا النطاق، أوضح (هندل) بأنه: «عندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن الدولة الفلسطينية، فإنهم يتحدثون عن حكم ذاتي، ربما موسعاً، يسيطر فيه الفلسطينيون سياسياً، والإسرائيليون أمنياً.. الاستراتيجية الإسرائيلية منذ عقد كانت الكذب، والمناورة إلى أن يمر الغضب. عملياً، الغضب لم يمر والكذبة لم تقدمنا إلى أي مكان». وفي سياق المضاد ذاته، قال «عوزي برعام» في مقال بعنوان «قبل أن تركع إسرائيل متوسلة قيام دولة فلسطينية»: «ستمضي السنوات، وستركع إسرائيل على ركبتيها وهي تتوسل من أجل إقامة دولة فلسطينية، حيث لا يوجد حل حقيقي في دولة واحدة، تدير نظام آبارتايد، وستكون غارقة في حروب لا نهاية لها». من جانبه، أكد البروفيسور «شلومو زاند»، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، أن «جدران الحديد لن تتمكن لأمد طويلٍ من الدفاع عن إسرائيل، والسواد الأعظم من اللاجئين الفلسطينيين وأولادهم وأحفادهم لن يتنازلوا طوعاً عن حق العودة. وليس أخلاقياً ولا منصفاً أن تعترف إسرائيل بحق العودة لأنه لن يتحقق، وعلينا أن نكون مستقيمين والإقرار بأن الاعتراف الإسرائيلي بحق العودة يتناقض جوهرياً مع وجود الدولة العبرية، ولا يقرب الفلسطينيين والإسرائيليين إلى السلام». أيديولوجياً، تزعم مختلف الأحزاب السياسية الإسرائيلية بأن فلسطين 1967 جزء من أرض «إسرائيل». وعلى هذه الخلفية، يظهر ما يشبه الإجماع الداعي في الدولة الصهيونية إلى: عدم العودة لحدود الرابع من يونيو 1967، وتكريس القدس عاصمة موحدة لـ«دولة إسرائيل»، وبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية، ومن ثم عدم السماح بقيام دولة فلسطينية «ذات سيادة». ورغم ذلك، ومنذ اتفاقات أوسلو، فقد رغب كثير من الفلسطينيين في تصديق إمكانية أن تؤدي الاتفاقات إلى إقامة دولة فلسطينية تحقق الأهداف الوطنية الفلسطينية ولو تدريجياً. ومع مرور السنوات واستمرار تعثر مفاوضات «عملية السلام»، حرص الطرف الإسرائيلي الحاكم على إفقاد القيادة الفلسطينية خيار إقامة الدولة، مثلما حرص على تحويل «السلطة الفلسطينية» (نواة الدولة المأمولة) إلى سلطات بلدية! وأخيراً، يبدو أن «الرسالة» قد وصلت لكل القادة الفلسطينيين، فماذا هم فاعلون؟ وما الخطوات التي سيبنونها في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في مدينة رام الله، يومي الرابع عشر والخامس عشر من الشهر الجاري؟