تصنع المحن وتصقل الرجال وتكشف أيضاً من هم دونها؛ ففي خضم الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية التي أفرزت حالة عدم الاستقرار؛ برز صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد كصرح عربي إسلامي عالي وعظيم البناء، تكسرت عليه في أوجها، الكثير من مخاطر «الربيع العربي» وما به من رياح أوباما الشرسة فكونت عام 2011 موجات الاحتجاجات الإقليمية بمشاريع غربية غريبة على تركيبة الأوساط الفكرية والشبابية في العالم العربي؛ كان الهدف منها تسليم المنطقة العربية للمرشد، خدمة لولاية الفقيه. المخطط الأميركي- الصفوي - الصهيوني تمكن من إلحاق الضرر بأبرز الأنظمة المركزية ولا سيما في قلب الأمة العربية النابض؛ الدولة الكبرى مصر، وانهيار مقومات دول تونس وسوريا واليمن وليبيا ومن قبلهم العراق، ودعمت تيارات الانفصالية والطائفية من إثارة الاضطرابات الشيعية في البحرين والسعودية، واستفزاز كل من الأردن والمغرب والجزائر بدعم تيارات الإسلام السياسي. ولي عهد أبوظبي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أثبت براعته في إدارة الأزمات المحلية والإقليمية والدولية بحزم وحكمة صقلها بخلفيته العسكرية، في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، ومساعدة الشعوب العربية بفضح مؤامرات الجماعات الإرهابية والدول الداعمة والحاضنة لها، جعل منها قبلة عالمية للتشاور في وضع استراتيجيات تحقيق الأمن الفكري والروحي لشعوب العالم، بإطلاق المبادرات العالمية لمحاربة وتطويق ظاهرة العنف والتطرف الديني، والمساهمة بقوة في تشكيل التحالف العسكري الإسلامي في محاربة الإرهاب. كان بإمكان الشيخ محمد بن زايد الاكتفاء بالنأي بالبلاد عن هذه الاضطرابات الإقليمية ومواصلة البناء الحضاري لدولة الإمارات، لكن الإرث الإنساني للمغفور له الشيخ زايد ببعده التكافلي غرس في نفوس أبنائه قيم التراحم والتعاون من أجل الخير ومساعدة الغير، فما بالك إذا كان هذا الغير هو الأخ في الدين والعروبة والشريك في الحاضر والمصير، فكانت المشاركة مع أختها المملكة العربية السعودية في «عاصفة الحزم» لإنقاذ اليمن وأهله من التطهير المذهبي والطائفي، إحساساً بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق آلِ زايد، حيث قال حينها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية:«لا يمكن أن ننعم بالاستقرار في الداخل والنيران تستعر من حولنا». المفارقة أن أبوظبي اختلفت وقتها مع الإدارة الأميركية الحليفة الاستراتيجية التاريخية للخليج العربي، رغم أنها ترتبط سياستها الخارجية بالالتزام بالحلف الأميركي الخليجي، وانحازت الإمارات لمصالح الشعب العربي ضمن أولوية أولوياتها الاستراتيجية، رافضة سياسة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في أخطر ملف في المنطقة، وهو مصير دولة مصر، فكانت وما زالت أبوظبي أقوى دعامة اقتصادية وعسكرية لمصر، بل ساهمت بقوة في تحقيق طموح المصريين في العيش بدولة مدنية يتعايش فيها كل أبناء الوطن دون النظر إلى دياناتهم أو معتقداتهم. صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان، رجل الإنجازات والمهمات الصعبة؛ لا يعرف في قاموسه كلمة المستحيل، فسموه يمزج الشجاعة والحزم بالحكمة والعدل، ويضع نصب عينيه روح ومصالح الشعوب العربية في مجمل قراراته، مستلهماً دوماً حكمة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. كما لعب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد دوراً كبيراً في الدفع بدولة الإمارات على سكة المدنية والحداثة وتحقيق الرخاء والعيش السعيد لمواطنيه، بإطلاقه لمشاريع فنية وتنموية وصناعية وتشجيعه للبحث العلمي. فحقاً علينا كعرب، أن نفتخر بشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، كقيادة عربية متميزة، معتزة بتاريخها، مستلهمة من حكمة الوالد المؤسس، رحمة الله عليه. وكل عام ودولة الإمارات بألف خير.