لحسن حظ القضية الفلسطينية أن وزراء مجموعة العمل العربية المكلفة بمتابعة الموقف، والتي اجتمعت في عمان يوم السادس من يناير الجاري، لم يلتفتوا ومعهم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إلى دعوة أطلقها أمين عام سابق بأن يطالب العرب بحل الدولة الواحدة التي يعيش فيها العرب واليهود بما أن «حل الدولتين» يواجه صعوبات! لقد صمم المشاركون في الاجتماع على تعزيز حل الدولتين والذي يعني إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لقد راكمنا أسساً دولية وقانونية صلبة لهذا الحل على مدى عقود وليس من العقل في شيء أن نهدر هذه الأسس وندير ظهورنا لحل الدولة الفلسطينية ونتبنى حلا وهمياً. خلال هذه الفترة استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية أن تبلور الهدف في إقامة الدولة على كامل مساحة الضفة وغزة بعاصمة هي القدس الشرقية وأن تكسب لهذا الهدف تأييدا كاملا من جميع الدول العربية وهو التأييد الذي تبلور في مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية وتبناها مؤتمر القمة المنعقد في بيروت 2002. فضلا عن ذلك أصبحت جميع دول العالم مجمعة على أن حل الدولتين هو الحل الأمثل لضمان سلام مستقر بين العرب وإسرائيل. لهذا كله أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي باسم المجموعة العربية عن مرتكزات للعمل العربي في الفترة القادمة وهي: 1- السعى إلى الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود الرابع من يونيو. 2- الضغط على المجتمع الدولي لإبطال قرار الرئيس ترامب وإحياء عملية السلام ومسار التفاوض وإنهاء النزاع. 3- التأكيد أنه لا أمن في المنطقة من دون حل الدولتين. وهنا من المهم أن نبين أن حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها اليهود والعرب لا يفهمه اليمين الإسرائيلي الحاكم إلا على وجه واحد، وهو إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تلتهم داخل حدودها بقية فلسطين دون أن يترتب على هذا أي التزام إسرائيلي بإعطاء حقوق مواطنة للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وذلك بحصرهم داخل مناطق سكناهم التي ستخضع لحكم إداري ذاتي لتسيير الأمور البلدية تحت السيطرة العسكرية للجيش الإسرائيلي. هذا تحديداً هو «الحل» الذي يريده اليمين الإسرائيلي، أي دولة إسرائيل الكبرى القائمة على الفصل العنصرى بين اليهود والعرب. إذن ما الذي يغري بالدعوة إلى تبني ذلك الحل العنصري التوسعي الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي المتطرف تحت وهم أن ترويج هذا الحل سيؤدي إلى إقامة دولة فردوسية يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوق المواطنة والانتخاب، بل والحصول على أغلبية في الكنيست وتشكيل حكومة إسرائيل الكبرى برئيس وزراء عربي؟! على الساسة والكتاب العرب أن يراجعوا التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني ليعلموا أن حل الدولة الديمقراطية العلمانية التي يعيش فيها العرب واليهود في إطار حقوق متساوية، ليس حلا مبتكراً كما يتوهم البعض، فقد تبنته منظمة التحرير الفلسطينية لمدة عشر سنوات (1964 -1974)، واضطرت للتخلي عنه وتبني حل الدولة في الضفة وغزة، بعد أن أفهمها كل أصدقاء القضية في العالم أن حل الدولة الواحدة مستحيل ولن يؤيده أحد في العالم، وبعد أن اكتشفت أن جميع القوى السياسية الإسرائيلية غير مستعدة لقبوله خوفاً من قدرة التكاثر السكانية العربية على طابع الحكم اليهودي المسيطر في الدولة العبرية.