لا أحد يعرف إلى أين يمضي بنا العلم، وما المفاجآت التي تنتظرنا في الغد القريب أو البعيد، حتى بتنا نقرأ عن تركيب الرؤوس على الأجساد وإعادة البصر والسمع وإيجاد بدائل لبعض الأعضاء في المختبرات بـ «الطابعات التجسيمية».. الثلاثية الأبعاد! وربما خلال عقد أو عقدين، لن يكون للمرض معنى، بل ربما يعيش معظم الناس بصحة جيدة عشرات السنين فوق ما نسميه اليوم «أرذل العمر». وقد يقول «مريض» لصديقه، بالأمس اكتشف الطبيب ورماً خبيثاً في بطني.. ولكنني اليوم أحسن! يذهلني جمال صور الخلايا والفيروسات! فكأنها لوحات لبيكاسو أو سلفادور دالي، بأشكال مدهشة وألوان غريبة متقنة لا تكاد تصدق. ويقال إن في جسد الإنسان 37 تريليون خلية على وجه التقريب، ولا أدري إن كان عدد خلايا الإنسان النحيل نفسه في السمين. و حسب «الشرق الأوسط» شهد عام 2017 البداية الرسمية للمشروع العلمي الطموح الذي يستهدف عمل خريطة للخلايا البشرية كاملة Human Cell Atlas، وذلك بعد عام كامل من التخطيط للمشروع، والذي سيستغرق عدة أعوام، ويتشارك فيه علماء من جميع أنحاء العالم وجميع التخصصات العلمية من علماء الخلايا والأطباء والباحثين ومهندسي التكنولوجيا. وتضيف «الشرق الأوسط» أن العلماء يتوقعون «الانتهاء من هذه الخريطة في غضون أعوام قليلة على غرار خريطة الجينات البشرية التي تم عملها من قبل في 20 عاماً. «الشرق الأوسط: 29-12-2017». وكان من مشاكل علاج الأورام تساقط الشعر عن فروة الرأس والوجه - وثمة تقنية جديدة تعمل على تبريد فروة الرأس تدعي Scalp Cooling، قبل وأثناء وبعد جلسة العلاج الكيميائي، ينتظر أن يبدأ العمل بها بداية من عام 2018، وتحافظ على الشعر دون تساقط، حيث يتم التبريد عن طريق سائل يمر خلال ما يشبه غطاء الرأس، يعمل على انقباض الأوعية الدموية الموجودة في جلد فروة الرأس وخفف التفاعل الكيميائي مما يقلل من احتمالية تأثر خلايا بصيلات الشعر. وتقول الصحيفة إن نحو نصف السيدات اللاتي ارتدين «غطاء الرأس» في التجارب الإكلينيكية.. لم يتساقط شعرهن. وتستهدف الأبحاث المرض الخبيث نفسه بأنواع جديدة من العلاج الخلوي والجيني وتوظيف «الخلايا المناعية» للتعرف على الخلايا السرطانية بشكل أكثر كفاءة. وتتميز هذه الطريقة عن بقية أنواع العلاج الإشعاعي والكيميائي بأنها تكون لمرة واحدة فقط، وهو الأمر الذي يجنب المريض الأعراض الجانبية الكبيرة للعلاج الإشعاعي والكيميائي والجراحي. وتتحدث الأخبار الطبية عن إنتاج دم صناعي من الخلايا الجذعية في المختبرات، سوف تتم تجربته فعلياً على مجموعة صغيرة من المتطوعين تحت إشراف هيئة الصحة الوطنية في بريطانيا. وتتحدث كذلك عن «مبيض صناعي» قادر على العمل بشكل طبيعي بديلاً عن المبيض الفعلي. وقد تم تصنيع المبيض من خلال «تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد»، باستخدام مادة الجيلاتين. وهذه التقنية، تقول الأخبار الطبية، «سوف تمكن العلماء من تصنيع أي عضو يصيبه خلل في جسم الإنسان». من جانب آخر، تضيف الصحيفة أن العلماء المشرفين على التجربة أكدوا أن المبيض الصناعي قام بوظائفه بشكل كامل، بل وقامت الفئران بإفراز لبن الرضاعة بشكل طبيعي، وهو الأمر الذي يعطي أملاً كبيراً في نجاح هذه التجربة في السيدات». وكانت الفئران كذلك أداة تجارب في علاج أمراض الذاكرة وبخاصة مرض «الزهايمر»، حيث تقوم الأمواج الصوتية بإذابة تجمعات البروتين المتراكمة حول الخلايا العصبية amyloid plaques في المخ. «وعند إجراء التجارب على الفئران بعد تعرضها لهذه الموجات تمكن معظمها بنسبة 75% من اجتياز اختبارات معينة متعلقة بالذاكرة». غير أن أكبر التجارب الطبية والعلمية وأكثرها إثارة للجدل ستكون بلا شك عمليات «نقل الرأس»! وتثير مثل هذه العملية إنْ نجحت مشاكل قانونية لا حصر لها، إذ أنها بمثابة تكوين أو توليد شخص جديد! وقد نرى جسداً يتحرك بأوامر وخبرات عقل شخص آخر، وقد يتصاعد نقاش طويل حول ماهية العقل والنفس والروح.. والذات! ولا تزال عميلات «نقل الرأس» معلقة بين الحقيقة والخيال. وتقول الصحيفة إن الطبيب الإيطالي كانفارو Canavero أعلن في نهاية عام 2016 عن اعتزامه إجراء عملية نقل رأس كاملة، وأنه نجح في إجراء تلك العملية على فئران التجارب بمساعدة أطباء صينيين. غير أن الصحيفة أكدت أنه «على الرغم من التصريحات واهتمام الصحافة بالموضوع، فإن الحقيقة أنه ليس هناك أي دليل علمي على نجاح هذه العملية أو حتى مجرد إجرائها، ولم يتم نشر أي تفاصيل عن تلك العملية أو فيديو لها في أي من الدوريات العلمية المعنية بمثل هذه الأمور، خاصة أن نجاح عملية بهذا الحجم يعد معجزة علمية بكل المقاييس». ولم تقتصر الأخبار العلمية على تقدم الطب وحده، فقد أصبح العلم محور الحياة في البلدان المتقدمة وربما النامية على حد سواء. فنجد شعوباً تعاني من الجوع والأوبئة، بيدها الهاتف النقال وعلى سطح منازلها لاقطات أشعة الشمس لتوليد الكهرباء. وفي مجال العلوم العامة نجح العلماء في وضع لقطة صورة مجسمة لما يمكن أن يكون أول زهرة نمت على الأرض، قبل 140 مليون سنة! كما تم تحيد طول أكبر ديناصور، بعد اكتشاف العظام المتحجرة لستة ديناصورات في الأرجنتين عام 2014، وتبين أن ذلك الديناصور، الذي عاش خلال أواخر «العصر الطباشيري» قبل نحو مائة مليون سنة، كان يأكل النبات، ويبلغ وزنه 79 طناً، بمتوسط طول يبلغ 37 متراً وارتفاع يصل إلى ستة أمتار.. عند الكتف! تزاحمت أخبار الاكتشافات الفيزيائية والفلكية التي نسمعها كثيراً ونفهمها قليلاً. فيقول بروفسور في جامعة اكسفورد، يبحث في مجال نشوء المجموعة الشمسية «إن الاختراق الأكبر في فيزياء الفلك تمثل في رصد موجات الجاذبية التي نجمت عن اصطدام «نجمين نيوترونيين»، إذ نجح العلماء في رؤية نتائج الاصطدام وميلاد جرم لامع جديد. ورصد علماء الفلك ثالث موجة جاذبية، «ما يدعم أكثر نظرية النسبية العامة التي قدمها «البرت أينشتاين» سنة 1916».. ولا يسألني سائل كيف! ومن المؤسف أن الفساد لم يعد مقتصراً على الساسة، بل سرى إلى الوسط العلمي وعلى نطاق واسع، حيث باتت المجلات العلمية الزائفة تنتشر في عالم الورق والإنترنت، ويعمل أصحاب هذه المجلات الزائفة على استقطاب العلماء والباحثين لنشر مواضيعهم و«دراساتهم» دون قراءة أو تمحيص.. مقابل مبلغ من المال! ووفق إحصاءات نشرتها مجلة «نيتشر» Nature العلمية الرصينة، تقول الشرق الأوسط، 26-12-2017، «يوجد الآن أكثر من 800 مجلة من هذا النوع تنشر نحو 400 ألف مقالة في السنة». بقى أن نتساءل في الختام: هل يحل العلم كل المشاكل؟ تقول طرفة أميركية معترضة: من قال إن التكنولوجيا تملك كل الحلول؟ هل تم مثلاً اختراع رجل آلي.. يدفع عنا الضرائب؟!