خيراً فعل الأزهر الشريف عندما عقد «مؤتمر الأزهر لنصرة القدس»، وجمع له حشداً كبيراً من الدول والمنظمات والهيئات العربية والإسلامية، وبذل جهوداً كبيرة لإنجاحه وعبّر عن رفضه القاطع لقرار الإدارة الأميركية باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وقد أكد المؤتمر في بيانه الختامي أن القدس الشريف عاصمة أبدية لدولة فلسطين المستقلة، ودعا إلى العمل الجاد على إعلانها رسمياً والاعتراف بها دولياً وقبول عضويتها الفاعلة في كافة المنظمات والهيئات الدولية. كما طالب المجتمع الإنساني بالعمل على تحريرها من الاحتلال الصهيوني، لأن عروبة القدس الشريف أمر لا يقبل العبث وهي ثابتة منذ آلاف السنين ولن تفلح كل المحاولات في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ. فالقدس بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابعة قبل الميلاد. لقد دعم الأزهر الشريف صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة القرارات الظالمة بحقه، وطرح مبادرة مهمة وهي: تعميم مقرر دراسي عن القدس لأن مستوى وعي النشء العربي والإسلامي بقضية القدس، كما يقول عباس شومان وكيل الأزهر، ليس على المستوى المطلوب، وهذا المقرر سوف يدرَّس في المعاهد الأزهرية للنشء والشباب. كما دعا القائمين على مؤسسات التعليم في الدول العربية والإسلامية وسائر بلدان العالم وكافة الهيئات والمنظمات الفاعلة إلى تبني هذه المبادرة. وطالب البيان بأن يكون عام 2018 عاماً للقدس الشريف. إن ما جاء في بيان الأزهر يعكس وعياً عالياً تجاه القضية الفلسطينية وفي القلب منها مسألة القدس، والتي هي أيضاً قضية فلسطينية وعربية، كما أنها قضية إسلامية يُعنى بها أكثر من مليار مسلم يتطلعون دائما نحو القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك. إن التجمع الحاشد الذي نظمه الأزهر لنصرة قضية فلسطين، وعلى الأخص القدس، والتفاعل الكبير مع دعوة التي أطلقها في هذا الخصوص، يمثلان فرصة مهمة لوضع استراتيجية طويلة الأمد يمارس فيها الوعي العربي دوره، خاصة بعد أن أشار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس إلى عدم فاعلية قرارات الأمم المتحدة، أعلى منصة في العالم، فيما يتعلق بإنصاف المظلومين، عندما أكد على حقيقة مرة وهي أن فلسطين حصلت على 750 قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1948 و86 قراراً من مجلس الأمن الدولي، خلال الفترة نفسها، لكن لم يطبق قرار واحد منها. وطالب عباس الأمتين العربية والإسلامية بالوقوف وقفة واحدة من أجل أن تقول للعالم: لماذا كل هذه القرارات؟ محذراً من أن الأمة العربية والإسلامية تواجه مؤامرة تستهدف القدس بكل ما تمثله من قيم ومعالم دينية وحضارية وتاريخية وإنسانية، مؤكداً أن هناك تحديات خطيرة وشديدة الخطورة بدأت فصولها منذ أكثر من 100 عام. لقد ترجم مؤتمر الأزهر الحقيقة التي وصلت إليها قضية القدس والتي لم يعد للأسف لدى كثير من أبناء هذه الأمة اهتمام بها، كما كان الأمر حتى ثمانينيات القرن الماضي، خاصة بعد أن تراجع الوعي العربي عن ممارسة دوره تجاه هذه القضية بسبب الخلافات العربية والتغييرات السياسية والأحداث الجسام التي أصابت الأمة وتراجع معها دور المثقف العربي في الدفاع عن القضايا القومية. وبفعل تلك المتغيرات أصبحت إسرائيل تتقدم عميقاً وتوسع انتشارها الاستيطاني، بينما فشل العرب في وقف ذلك الزحف، كما غابت عن الوعي العربي تلك العلاقة التي تجمع بين المشروع الصهيوني التوسعي والمشروع الإيراني الذي يتجه هو أيضاً نحو تفتيت المنطقة العربية.