حين توقف الرئيس دونالد ترامب عن الحديث عن «مشروع قانون الحب» لفائدة أبناء المهاجرين الذين يسمون «الحالمين»، واعتبر في المقابل أن «الديمقراطيين» يريدون فتح الأبواب لطوفان من المهاجرين غير الشرعيين، وحين نشر حزبه إعلاناً غريباً يتهم «الديمقراطيين» بالتواطؤ في عمليات قتل ارتكبها مهاجرون غير شرعيين، فينبغي ألا نستغرب كل هذا في ضوء توجهات اليمين الجمهوري المعهودة. وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «ترامب دأب على السعي لتصوير المهاجرين باعتبارهم خطيرين، وتحدث عن العصابات العابرة للدول مثل عصابة إم. إس-13، وطبق حظر سفر على مواطني بعض الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب ما قال إنه مخاوف من الإرهاب». وهذا يناقض الواقع، ولكن الحقائق لا تستوقف الجمهور العام من المناهضين للهجرة. ولسوء الحظ، ما زال العداء للمهاجرين وتفضيل البيض الأوروبيين على أصحاب البشرات الداكنة خياراً أساسياً لدى أنصار ترامب، ويتزايد هذا التوجه خاصة لدى حزبه. وليس علينا أن ننظر من جديد إلى تاريخ الجمهوريين الطويل في الانتقائية، بل لقد حان الوقت كي نعترف بأن كثيراً من الجمهوريين ينظرون إلى حجج ترامب بشأن المظالم الواقعة على البيض باعتبارها ملمحاً إيجابياً. وهذا يدعم ولعهم بفكرة «الحديث عن الأمر كما هو»، وهي عبارة مشفرة يستخدمونها للتعبير عن تحيزات سلبية. وقد أصبح من المسلّمات لدى مضيفي برامج التلفزيون الرسمي، مثل تاكر كارلسون، أن الأميركيين المنحدرين من أميركا اللاتينية «الهيسبانك» ليسوا أميركيين حقيقيين. وسيجنح ترامب من حين لآخر نحو الدفع إلى صفقة من أجل الحالمين، أو نحو تعاطف محمود تجاه المهاجرين الشرعيين لفترة من الوقت، ولكن بعد فترة وجيزة سيدفعه إلى مزاج الخوف من الأجانب سدنة معاداة الهجرة في مجلسي النواب والشيوخ، ومستشارون من أمثال كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي وكبير المستشارين ستيفن ميلر، ومتحمسون لإجراءات مثل حظر سفر بعض المسلمين إلى الولايات المتحدة. وحين ظهر ميتش مكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ليزعم أن «الديمقراطيين» يهتمون بالمهاجرين غير الشرعيين أكثر من اهتمامهم بالأطفال المرضى أو بالجيش، يستطيع المرء أن يدرك مدى أهمية ورقة العنصرية والمهاجرين في وحدة الحزب الجمهوري. فقد أصبح العداء للمهاجرين، من عدة وجوه، مادة لاصقة تربط ترامب بأنصاره والجمهوريين. وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في تقريرها أن «نشطاء محافظين أسعدهم أيضاً التحول الكبير في اهتمام الجمهوريين الذي اتبع اعتناق البيت الأبيض للغة التي تروج لفكرة سكان البلاد الأصليين، وقد جعلت المشكلة تدور حول الخيار بين التمويل الحكومي للمواطنين الشرعيين وبين المطالب المتهورة للمهاجرين غير الشرعيين! وقد أثبت ترامب في انتخابات 2016 أن الهجرة وحّدت صفوف الحزب الجمهوري بشكل أكبر مما فعل تركيزه التقليدي على تقليص مخصصات الإنفاق والتجارة الحرة وخفض العجز في الموازنة. وعلى العموم فقد أصبحت القضايا الشعبوية الخاصة بالتجارة والهجرة أكثر حيوية حالياً وسط قاعدة الحزب الجمهوري من قضايا الإجهاض والضرائب». وهذه ليست ببساطة قضية واحدة من بين قضايا عدة. فقد كانت السياسة النشطة في الهجرة الشرعية أساساً للرأسمالية الحيوية، وهي توضح الإخلاص لرؤية المؤسسين التي مفادها أن البلاد ليست حكراً على جنسية أو عرقية معينة أو بلاد أو دماء بعينها، بل إن الأمر يتعلق بالتمسك بقيم الجمهورية نفسها. وفي النسخة الحالية من التوجه الجمهوري حل محل مثال المؤسسين نوع جديد من الالتزام بالقومية المسيحية البيضاء، أي إقصاء المسلمين ومحاباة المسيحيين الإنجيليين ومعارضة فلسفة الأسواق واتباع نهج الحمائية الحكومية. وهذه الرؤية مرعبة وتناقض خبرة كثير من الأميركيين، ولكنها رؤية يتعلق بها عدد كبير من البيض من الطبقة العاملة الذين دفعوا بترامب إلى الفوز في الانتخابات. وما كان يراه كثيرون مضمراً وضمنياً في خطاب الجمهوريين وخياراتهم أصبح الآن صريحاً وبلا مواربة. وبصراحة، لم أفهم لماذا تتباهى حركة ما برفض الحداثة، بدلًا من تشكيلها والحفاظ على الثمين فيها والتخلص من الغث. ولكنها فوق ذلك تتصدى لتحول كبير في البنية السكانية ممثلة في الجيل الأكبر والأكثر تنوعاً في التاريخ، وهو جيل الألفية الذي يحل محل جيل طفرة المواليد المتقدمين في السن حالياً. إن هذا يبدو عبثياً وغير منطقي. والرجوع القهقرى إلى القومية العرقية ليس شأناً هيناً، بل يمس بعمق تعريف أميركا في حد ذاتها، والأسئلة المحورية التي طرحتها الحرب الأهلية وحركة الحقوق المدنية وكل موجة أخرى مشابهة من مشاعر معاداة الهجرة. ومن هذه الأسئلة: من هو الأميركي؟ وهل تحتاج أميركا إلى المهاجرين كي تنتعش وتجدد عقيدتها في كل جيل؟ إن الوضع الحالي للحزب الجمهوري جعل من العداء للتنوع مبدأً حيوياً إلى درجة أنه لا يمكننا أن نستهين بالأمر. وهذه الصورة هي التي اختارها الجمهوريون لتكون سمة مميزة لهم حالياً، وهذا ما جعل كثيرين يعتبرون أنهم لم يعودوا جمهوريين. جنيفر روبن كاتبة أميركية من المحافظين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»