لديّ سؤال ملح، وهو: كيف يمكن للعقل السياسي العربي أن يحبط خطة اليمين الإسرائيلي في السيطرة الكاملة على الإدارة الأميركية والرامي للقضاء على خيار مبادرة السلام العربية، وهو إقامة الدولة الفلسطينية؟ أعتقد أن أجهزتنا السياسية والديبلوماسية في العالم العربي مشغولة بهذا السؤال، وإني أحاول هنا الإجابة عنه، لكني سأبسط أمام القارئ صورة تاريخية لخيار الدولة الفلسطينية وما مر به لنضع أساساً للتفكير في الإجابة. إن خيار الدولة الوطنية الفلسطينية الذي استقرت عليه الإرادة الفلسطينية منذ دورة المؤتمر الوطني الفلسطيني عام 1973 أي منذ ما يقرب من نصف قرن، يبدو مهدداً أكثر من أي وقت مضى ليس فقط بسبب التأييد الذي يحصل عليه اليمين الإسرائيلي من جانب إدارة الرئيس ترامب في موضوع القدس، بل أيضاً لأن أشقاءنا الفلسطينيين يحتاجون إلى بوصلة لإيجاد طريقة مبتكرة للتعامل مع ترامب بحيث يخرجون في النهاية بدولتهم ويحبطوا المخطط الإسرائيلي. إن محاولة الرئيس عباس مع الاتحاد الأوروبي ليتولى قيادة عملية السلام كشفت عن مدى سيطرة الولايات المتحدة على عملية التسوية. لقد طلب كل من الرئيس الفرنسي ماكرون ومفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي من الرئيس عباس ألا يقطع علاقته بإدارة ترامب لأن أوروبا لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة. هذا رغم أن عباس أكد رفضه للدور الأميركي المنفرد. وهنا لابد من البحث عن بوصلة دقيقة توجه الحركة الفلسطينية. وبنظرة تاريخية يمكننا أن نستخلص أنه لابد من تقوية معسكر السلام في الساحة الإسرائيلية، فقد كان الأمل في نجاح مشروع الدولة الفلسطينية في أعلى درجاته مع وجود إسحق رابين زعيم «حزب العمل» في الحكم، والذي قام بمراجعة فكرية وسياسية رغم كونه رجل حرب وقتال. وتوصل رابين إلى أن أمن إسرائيل لا يتحقق إلا بإرضاء التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني وأن الحفاظ على دولة إسرائيل بطابع يهودي غالب يتطلب الاعتراف للفلسطينيين بدولتهم ليعيشوا فيها بجوار إسرائيل حتى لا يهددوا الغالبية اليهودية إذا ما تم ضم الضفة الغربية لإسرائيل كما يريد اليمين. وكان ذلك الفهم من جانب رابين هو الذي دعاه إلى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 والتي تضمنت مبدأ إجراء مفاوضات على الحل النهائي تنتهي خلال خمسة أعوام. ولم يمهل اليمين الإسرائيلي رابين لينهي مهمته حيث قام الشاب المتطرف يجآل عامير باغتياله عام 1995. إن تأمل محاولة اليمين قتل فكرة الدولة الفلسطينية يفيد بأنه لا يمكنه هذا بمفرده طالما كانت الإدارة الأميركية تعارضه. النموذج على ذلك أن اليمين برئاسة نتنياهو تولى الحكم بين عامي 1996و1999 وجمد المسيرة السلمية، لكنه لم يستطع أن يفتك بجوهرها، وذلك بسبب وجود إدارة أميركية برئاسة بيل كلينتون الذي كان يؤمن بضرورة تسوية الصراع في صورة أقرب ما تكون إلى دولتين متجاورتين، وهو ما منع اليمين الإسرائيلي من القضاء على أسس المفاوضات حول قضايا الحل النهائي ومن بينها القدس والحدود. وقد تواصلت ألاعيب اليمين الإسرائيلي بهدف القضاء على معسكر السلام الإسرائيلي وكسب الوقت اللازم لابتلاع الضفة الغربية من ناحية وانتظاراً لظهور رئيس أميركي ينحاز إلى رؤية اليمين في منع إقامة دولة فلسطينية وتمكين هذا اليمين من فرض الحل الذي يريده وهو ضم الضفة لدولة إسرائيل بدون تعريض الغالبية السكانية اليهودية فيه للخطر بمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً تحت السيطرة الإسرائيلية. إن هذا اليمين يجاهد ليجعل من ترامب الرئيس المنتظر، فهل يمكننا إيجاد بوصلة الحركة الفلسطينية التي تحبط هذه الرؤية اليمينية الإسرائيلية. أرجو أن نفعل ذلك في أسرع وقت.