ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول خطاب له حول حالة الاتحاد أمام جلسة مشتركة للكونجرس في الثلاثين من يناير. ومثلما كان متوقعا، قرأ ترامب خطابه من نص معدّ بعناية وحاول تقديم خطاب تصالحي يحظى بتأييد كلا الحزبين قصد تشجيع الديمقراطيين على الانضمام إلى الجمهوريين من أجل حل المشاكل الداخلية المهمة التي تواجه البلاد. وفي هذا الخطاب، شدّد ترامب على القوة الحالية للاقتصاد الأميركي وكيف أن خفضه الضريبي وتحريره للكثير من القوانين التي تحكم الصناعة الأميركية قد بدأت تعطي نتائج واعدة. كما تحدث عن تحقيق أدنى مستويات للبطالة على الإطلاق بالنسبة للأميركيين المنحدرين من أصول أفريقية والأميركيين المنحدرين من بلدان أميركا اللاتينية. ووعد ببلد أفضل وأكثر ازدهارا ورخاء لكل الأميركيين، وسعى إلى تعديد الوظائف الجديدة التي يتم إحداثها بفضل سياساته. ومن بين قائمة الأولويات التي يسعى للحصول على دعم الديمقراطيين فيها، هناك مواضيع مهمة مثل إصلاح الهجرة، والبنية التحتية، والصحة، والأمن الوطني. وترتكز خطته للهجرة على أربعة أركان: الأول، منح المواطنة لقرابة مليوني أميركي شاب جاؤوا إلى الولايات المتحدة مع آبائهم حين كانوا أطفالا من دون وثائق قانونية. على أن يتم هذا على فترة تناهز 10 سنوات شريطة أن تكون لدى المرشحين وظائف وألا تكون لديهم سجلات إجرامية. هذا المقترح لن يرحّب به كثير من الجمهوريين المتشددين، لكنه سيمثل شيئا يمكن أن يدعمه الديمقراطيون. أما الأركان الثانية والثالثة والرابعة، فهي أشياء يمكن قبولها من قبل حزبه وتشمل رصد مزيد من المال للجدار على الحدود مع المكسيك، وتخصيص مزيد من الدعم للقوى العاملة من أجل مراقبة الجدار. كما يرغب في إنهاء نظام الهجرة بالقرعة الذي يختار مرشحين بشكل اعتباطي بالكامل من دون اشتراط مهارات معينة، وأن يجعل من الصعب أكثر على المهاجرين الشرعيين جلب أفراد عائلاتهم إلى أميركا عدا الزوج أو الزوجة والأبناء. كما دعا إلى استثمار 1.5 تريليون دولار على مشاريع جديدة للبنية التحتية، لكنه لم يقدّم توضيحات حول كيف يمكن للبلاد أن تموّل هذه المشاريع بالنظر إلى أن قانونه الضريبي وحده سيزيد أكثر من تريليون دولار للدين الوطني. ووعد ترامب بالعمل على خفض التكلفة العالية للعقاقير الصيدلية، لكنه لم يقدّم أي تفاصيل حول الطريقة التي يعتزم أن يخفض بها التكاليف من قبيل جعل شركات الصيدلة تتنافس على سوق الأدوية التي تحقق أرباحا كبيرة. إلا أن الجزء الأكبر من الخطاب –والذي يُعد ثالث أطول خطاب في التاريخ الأميركي– ركّز على قصص إنسانية مثيرة للاهتمام حول الشجاعة في مكافحة الحرائق، والإغاثة في الفيضانات، والقتال في الحرب في أفغانستان. وفي هذا السياق، دُعي أفراد معينون إلى الوقوف أمام الجمهور وتلقوا تصفيقات حارة. كما سعى إلى التشديد على الأعمال الإجرامية لمهاجرين غير شرعيين لهم علاقة بعصابات «إم إس 13» الشهيرة التي تنحدر أصولها من أميركا اللاتينية. وبالمقابل، لم يقل ترامب شيئا جوهريا حول السياسة الخارجية في ما عدا نسبة الفضل إلى نفسه في دحر تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. والواقع أنه اعترف بأن روسيا والصين تشكلان خطرا على الأمن القومي الأميركي، لكنه لم يقم بأي إشارة إلى الهجمات الإلكترونية والتوسع الترابي. كما كرّر الحاجة إلى عقوبات أشد على إيران وكوبا وفنزويلا. وخصّ كوريا الشمالية بالذكر على خلفيات انتهاك حقوق الإنسان، لكنه لم يشر إلى أي خيارات عسكرية. ودعا إلى زيادة في ميزانية الدفاع الأميركية وتحديث الترسانة النووية الأميركية. وعلى نحو غير مفاجئ، لم يشر ترامب إلى أكبر أزمة يواجهها في واشنطن، ونقصد بذلك التحقيقات المتواصلة للمحقق الخاص روبرت مويلر الذي يجري تحقيقاً حول إمكانية وجود تواطؤ بين الحزب الجمهوري وروسيا خلال انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، والجهود التي قام بها البيت الأبيض لاحقا لعرقلة التحقيق في «القرصنة الروسية». وبشكل عام، يمكن القول إن أول خطاب لترامب حول حالة الاتحاد سيُنسى في غضون بضعة أيام نظراً لأن جزءاً كبيراً من محتوى الخطاب ركّز على الأسلوب وكان محاولة من ترامب لكي يبدو وكأنه يتحدث إلى كل الأميركيين، وليس إلى قاعدته الانتخابية الصاخبة فقط. ولا شك في أن مواضيع أخرى أكثر إلحاحا ستهيمن على واشنطن خلال الأيام المقبلة، بما في ذلك إمكانية إغلاق آخر للمؤسسات الحكومية. وفي هذا الصدد، ربما يكون ترامب قد أبلى بلاءً أحسن في الخطاب الذي ألقاه في دافوس بالمنتدى الاقتصادي العالمي، يوم السادس والعشرين من يناير المنصرم، عندما ركّز على المواضيع الاقتصادية وتحاشى الأسلوب المسرحي الذي يبدو ضروريا للغاية عند مخاطبة الكونجرس الأميركي.