ما زالت أزمات في السياسة الخارجية والداخلية تمسك بتلابيب إدارة ترامب رغم دخولها العام الثاني في البيت الأبيض، وهذه الأزمات لن تتركها قريباً. وأكثر المشكلات إثارة للقلق تلك التي تتعلق بتحقيق مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. أي) في حملة ترامب واحتمال تواطؤ إدارته مع روسيا. وتجمع وكالات الاستخبارات الأميركية على أن روسيا، من خلال القرصنة والتضليل الإعلامي، لعبت دوراً مؤثراً في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. ويمكننا أن نتوقع تدخلاً روسياً في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عام 2018. وهناك أدلة أقل وضوحاً عن تورط ترامب المباشر في القضية، لكن ما زالت هناك مشكلة بشأن رفض ترامب المتواصل بأن يوجه الاتهامات مباشرةً إلى الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بدعم مثل هذه الأعمال غير الودية. ويختلف معظم الجمهوريين في هذا الشأن مع ترامب وينتقدون علناً بوتين وتصرفات نظام حكمه. وعلى النقيض من تعليقاته الجيدة عن بوتين، أدلى ترامب بتعليقات أكثر انتقاداً لبعض من أقرب حلفاء أميركا، ومنهم بريطانيا وألمانيا والمكسيك وأستراليا. وهناك عدة نظريات تفسر علاقة ترامب الودية تجاه بوتين، الزعيم الذي طالما انتقدته الصحافة الأميركية. وأكثر النظريات إثارة للقلق هي أن ترامب وأسرته مدينون مالياً بطريقة ما لروس أغنياء من أصحاب النفوذ السياسي (الأوليجاركية الروسية) قدموا على مدار سنوات قروضاً لشركات ترامب بما في ذلك ملاعبه المتعددة لرياضة الجولف، وهو التمويل الذي لم يستطع ترامب الحصول عليه من البنوك الغربية. وأنصار هذه الفكرة يستندون على رفض ترامب الكشف عن أي إقرار ضريبي في العقد الماضي، مما يوحي بأن هناك ما ينبغي إخفاؤه في ما يتصل بالعلاقة مع الروس. والحجة الثانية تشير إلى منظمي حملة ترامب الانتخابية، وخاصة بول مانافورت الذي تمتع بعلاقات وثيقة للغاية مع الكرملين وظل لسنوات طويلة مستشاراً للرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش المؤيد لبوتين. وتمت الإطاحة بيانكوفيتش في فبراير 2014 إثر احتجاجات شعبية واسعة النطاق في أوكرانيا وفر إلى روسيا. وترك يانكوفيتش خلفه مجموعة ملفات توضح علاقته بمانافورت. ومن الجدير بالذكر أن مانافورت وآخرين في حملة ترامب استطاعوا تغيير لغة البيان الجمهوري في مؤتمر كليفلاند القومي في يوليو عام 2016 من تحيز ضد الروس إلى نبرة أكثر حيادية. وترك مانافورت الحملة في أغسطس 2016، ثم وجه المحقق الخاص روبرت ميلر الذي يحقق في دور روسيا في انتخابات عام 2016 الاتهامات لمانافورت. وكان مكتب مولر قد وجه في أكتوبر الماضي لمانافورت وشريكه في الأعمال ريك جيتس اتهامات تشمل التآمر لغسل الأموال والتآمر ضد الولايات المتحدة، وعدم تسجيل صفة وكيل لجهة أجنبية أثناء العمل مع حكومة أوكرانية سابقة كانت موالية لروسيا. ورفع مانافورت دعوى قضائية على مكتب مولر في الثالث من يناير محتجاً بأن التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص يتجاوز سلطات المكتب القانونية. لكن وزارة العدل الأميركية ساندت مولر ودفعت بوجوب إسقاط دعوى مانافورت. واتهمت دعوى مانافورت القضائية المدنية نائب وزير العدل رود روزنستاين، الذي عين مولر، بتجاوز صلاحياته القضائية حين «منح مولر تفويضاً مطلقاً في التحقيق وتوجيه الاتهامات الجنائية التي تتعلق بأي أمر يصادفه». لكن وزارة العدل ردت على المحكمة بالقول إن «تلك الادعاءات لا تقوم على أسس موضوعية.. تحقيق المحقق الخاص وعمل الادعاء فيه قانوني بالكامل»، بحسب تقرير لرويترز. وأضافت الوزارة أنه يجب إسقاط الدعوى. وهناك قضية أخرى مثيرة للقلق تتعلق بكثرة تعليقات ترامب التي أشاد فيها على مدار سنوات ببوتين وتقاعسه عن مواجهته على الأقل حول تدخله في أوكرانيا ودوره العسكري في سوريا وحملته على الصحفيين ونشطاء الحقوق المدنية في روسيا، وتدخله في الانتخابات الأميركية نفسها. وأقر ترامب في أول خطاب له عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس، يوم 30 يناير الماضي، بأن روسيا والصين تمثلان «منافسين يتحديان مصالحنا»، وكان هذا أقصى ما قاله. وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية أن ترامب عندما سئل، في مقابلة مع قناة «فوكس» في الأيام القليلة الماضية، ما إذا كان يحترم الرئيس الروسي، أجاب قائلاً: «أحترمه حقاً. لكن هذا لا يعني أنني أتفق معه على طول الخط». وفي الوقت نفسه يواصل تحقيق مولر سيره مع تزايد الأدلة حول القضية الرئيسية للتحقيق، والذي أدى حتى الآن إلى إقرار اثنين من مساعدي ترامب، هما مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين والعضو في حملة ترامب الانتخابية جورج بابادوبلوس، بالكذب على ضباط «إف.بي.آي» خلال التحقيقات. ويخشى الجمهوريون وقياداتهم أن يقيم مولر وفريقه شديد المراس من المدعين المحنكين قضية متينة الأركان ضد ترامب وبطانته. ورغم أن هذا قد لا يؤدي إلى الإطاحة بالرئيس من منصبه، فإنه قد يضعف مكانته ويساهم في خسارة الجمهوريين انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل. ولهذا السبب يعمل الجمهوريون المحافظون الأكثر ولاءً لترامب ليل نهار لتقويض مصداقية تحقيق مولر أملاً في وقف سيره، أو إثارة الشك في نتائجه لدى الأميركيين. هذا أملهم، لكن أهدافهم في هذه المرحلة ليست مضمونة بحال من الأحوال. وقد تنتظرنا أزمة دستورية في المستقبل تؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي ودور ومكانة أميركا في العالم.