منذ تأسيس الكيان الصهيوني، لجأت الحكومات الإسرائيلية الأولى في حربها إلى «التطهير العرقي» للتخلص من الفلسطينيين وطردهم من فلسطين التاريخية، وهو حل أثبت نجاحاً نسبياً قبل استكمال احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية عام 1967. لكن هذه الجريمة لم تنجح كثيراً في عام 1967، حيث شكلت المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حجر عثرة في وجه مخططات الاحتلال لفرض السيادة الإسرائيلية عليها. ومع تسارع الاستيطان، وعمليات التهويد والاستيلاء على الأرض في ظل قوانين عنصرية يقرها بشكل متسارع «الكنيست» (البرلمان الإسرائيلي)، تم حسم الأمر وأُعلن عملياً عن إسرائيل دولة الآبارتايد الثانية بعد جنوب أفريقيا. فحكومة بنيامين نتنياهو قالت كلمتها عبر سياساتها بشكل واضح وحاسم، وهو ما تؤكده الحقائق والوقائع على الأرض. فسلطات الاحتلال تنفذ مخطط بناء استيطاني يكرس عزل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها ويقوض فرصة إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين، فيما يواصل الكنيست الحالي الأكثر تشدداً في تاريخ الكيان الصهيوني، دراسة وإقرار قوانين عنصرية داعمة للاحتلال وشرعنة الاستيطان، علاوة على قوانين مباشرة أو غير مباشرة تستهدف الفلسطيني كفلسطيني أينما وجد في الضفة ومن ضمنها القدس الشرقية. وفي مقال كاشف بعنوان «وداعاً للدولتين، أهلاً بالقادمين لجهنم الضم»، يقول الأديب الإسرائيلي «حيمي شليف»: «باي باي لحلم اليقظة لحل الدولتين، وأهلاً وسهلاً بالقادمين إلى جحيم الاحتلال. معسكر السلام ربما يفقد الراية التي وحدته، لكن من الآن سيفقد اليمين القبة الحديدية التي كانت تحميه. أيضاً إذا كان حل الدولتين وهماً، فإنه يوفر منذ عشرات السنين ستار الدخان الذي من خلفه تستطيع حكومة اليمين أن تسير دون أن تتقدم وهي تشعر بأنها تتقدم، وتستطيع أن تجذر الاحتلال دون تقديم حساب عن ذلك، ليس للرأي العام الإسرائيلي ولا لدول العالم. ليس اليسار وحده الذي سيضطر منذ الآن إلى مواجهة الخيار الوحيد المتبقي، بين الطاعون والكوليرا: بين الآبارتايد الواقع والدولة ثنائية القومية المحتملة». وفي مقال حديث، ومن زاوية مختلفة، كتب «نداف ايال» محدداً: «في الواقع الإسرائيلي يوجد نوعان من الحلول الممكنة بالنسبة للضفة الغربية وغزة. الأول هو جملة اقتراحات بالضم (دولة واحدة). الحل الثاني هو فصل أحادي الجانب. مؤيدو الضم لا يعرفون مثلاً ماذا يفعلون بالفلسطينيين بالضبط، اقتراحاتهم تتحرك بين الخطير (إعطاؤهم حق التصويت والتنازل عن الأغلبية اليهودية لدولة إسرائيل) والأخطر من ذلك (عدم إعطائهم حق التصويت وبذلك تأسيس دولة آبارتايد رسمياً)». ورغم كل ما سبق، تطرح «موريا شلوموت»، وهي من زعماء حركة «البلاد للجميع» التي تأسست عام 2012، حلاً مغايراً، حيث كتبت تقول: «كثيرون ينظرون إلى الصراع من منظور ضيق، أسير النماذج القديمة. لكن هذه الطريقة الثنائية القطبية، في النظر إلى الأمور، لا تعكس الواقع التاريخي المعاصر المملوء بالطبقات والأبعاد والاحتمالات والحلول للصراع. إن الخط المرسوم بين الفردوس المفقود (فكرة دولتين يفصل بينهما جدار)، وبين الجحيم (آبارتايد و/أو دولة لجميع مواطنيها)، يقدم ظاهرياً عالماً ثنائياً، توجد فيه جنة وجحيم، وحتى لو كان صحيحاً أن اتفاق أوسلو قد مات مع كل نبضاته وترتيباته، فإن فرصة التوصل إلى تسوية عادلة وأخلاقية بين الشعبين لا تزال قائمة. وهي موجودة إذا ناضلنا من أجلها، وإذا نظرنا إلى المستقبل وإلى ماضي النزاعات الأُخرى التي كانت تبدو غير (قابلة للحل)، ولكنها حُلّت (إيرلندا الشمالية، جنوب أفريقيا، ودول البلقان)». وفي ذات السياق، لكن عن بعد مختلف، كتب رئيس «الموساد» الأسبق، «شبتاي شبيط»، مقالاً يقول فيه: «كل شخص ذكي عليه أن يفهم أن حل الدولتين هو بوليصة تأمين لدولة إسرائيل. هكذا يمكن أن تنقذ نفسها من نفسها. هذا نموذج يجب على ترامب أيضاً فهمه. وبالتالي، هي أيضاً بوليصة تأمين للحفاظ على إسرائيل في الشرق الأوسط كحليف قوي للولايات المتحدة أمام ازدياد قوة روسيا وتوسع إيران وتهديد الإرهاب الإسلامي». ويضيف شبيط: «حل الدولة الواحدة أو أي تركيبة متذاكية أخرى، ستدفع إسرائيل نحو الآبارتايد، وتصبح دولة تدمر بمعرفتها الديمقراطية (ليس فقط بسبب الضم، بل أكثر من ذلك بسبب الاستسلام لليهودية المتدينة)، وبالضرورة ستتحول من ذخر إلى عبء على الولايات المتحدة. في هذا المنحدر، فإن الصراع ليس فقط لن يتقلص، بل سيأخذ أبعاداً مهدِّدة». من جانبها، قالت زعيمة حزب «ميرتس» اليساري الإسرائيلي المعارض، «زهافا غلؤون»: «ينبغي أن يكون الاحتلال حلاً مؤقتاً، لكننا حوّلناه إلى حل دائم، هناك اسم واحد فقط لذلك: الفصل العنصري (الآبارتايد). إن إسرائيل تحكم ملايين من الناس وتحرمهم من حقوق الإنسان الأساسية. الاحتلال يمثل جرحاً نازفاً في هذه الأرض». خلاصة الحقائق والتعليقات تجزم بأن جريمة الفصل العنصري (الآبارتايد) تتعزز اليوم بوضوح في تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين: الحرمان من الحق في الحياة والحرية، إخضاعهم للاعتقالات العشوائية ومصادرة الممتلكات، حرمانهم من الحق في مغادرة بلدهم والعودة إليه و/أو حرية التنقل والإقامة، إنشاء معازل.. وغير ذلك كثير. فمن ضمن الأهل في فلسطين 48، لا يزال نحو 275 ألفاً من أصحاب الأرض الفلسطينيين يعيشون كلاجئين لم يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم بعد نهاية حرب 48 رغم أنهم، بالقانون الإسرائيلي، «مواطنون شرعيون في إسرائيل». ?أما ?في ?الضفة ?الغربية ?المحتلة، ?فيُجبر ?الفلسطينيون ?على ?العيش ?في ?جيوب ?ومعازل (?المنطقة ?أ)?، ?محاطة ?بالمناطق ?العسكرية ?الإسرائيلية (?المنطقة ?ب)?. ?أما (?المنطقة ?ج) ?التي ?تشكل ?نحو ?61% ?من ?مساحة ?الضفة ?فتضم ?أكثر ?من ?300 ألف مستوطن، ?في ?حين ?أن ?الإسرائيليين ?الذين استوطنوا ?الأراضي ?المحتلة عام ?1967 ?يتمتعون ?بكامل ?الحقوق ?المدنية، ?بينما ?يعيش ?فلسطينيو ?الضفة ?تحت ?الحكم ?العسكري ?الإسرائيلي، ?دون ?أي ?حقوق ?مدنية، ?أي ?يعيشون ?في ?ظل نظام ?الفصل ?العنصري أو ?الآبارتايد.